للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القصد: أنك تأكل مع غيرك وتأكل وحدك؛ كما قَالَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}، وهَذَا في باب الجواز، وأما الأفضل فهو الأكل جميعًا كما أمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِك وأخبر أن في ذَلِك بَرَكَة، وَذلِك لما شكى إلَيْه رجل أنَّه كَانَ يأكل ولا يشبع؛ فقال له النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ" (١).

فاجتماع النَّاس على الأكل من أَسْبَاب البَرَكَة، كما أنَّه أيضا من أَسْبَاب الألفة والمودة؛ لأَن أهل البَيْت متفرقون في أعمالهم، فإذا لم يكن شَيْء يجمعهم، وهو الأكل، فمتى يجتمعون، لكن من المؤسف أن هَذِهِ السُّنَّة أصبحت مفقودة عند كثير من النَّاس، تجد الْأَبّ يأكل وحده، والْوَلَد الأكبر يأكل وحده، والمتوسط يأكل وحده، واللاتي يُمْكِن أن يجتمعن النِّساء، أما الرِّجَال فإن اجتماعهم فيما يظهر لي قليل، ولكن هَذَا خلاف السُّنَّة، السُّنَّة أن يجتمع النَّاس على الأكل، ينتظر بعضهم بعضًا، لا يضرّ إِذَا تأخر بعض الوقت في انتظار صاحبه؛ لأنهم يجتمعون ويتحدثون جميعًا وهَذَا يجلب المودة والألفة، لكن كون الْوَلَد لا يرى أباه أبدًا، يسهر الْوَلَد بالليل وأَبوه ينام مبكرًا، وبالنَّهار أَبوه يطلب المعيشة والْوَلَد يدرس، وفي الأكل أَبوه يصلي مع الجَماعَة وهو قاعد يتغدّى مثلًا أو ما أشبه ذَلِك، إِذَنْ متى يَكُون الاجتماع ومتى تَكُون الألفة بين النَّاس؟ !


(١) أخرجه أَبو داود، كتاب الأطعمة، باب في الاجتماع على الطَّعام، حديث رقم (٣٧٦٤)، وابن ماجة، كتاب الأطعمة، باب الاجتماع على الطَّعام، حديث رقم (٣٢٨٦)، وأحمد (٣/ ١٠٥) (١٦١٢٢)؛ عن وحشي بن حرب.

<<  <   >  >>