قَوْلهُ:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ} تقدَّم أَنَّنا نعرب (الكاف) اسمًا بمَعْنى (مثل)، على أنَّها مفعول مطلق لـ {يُبَيِّنُ}، أي: مثل ذَلِك البَيان يبين، و {الْآيَاتِ} سبق أن المُراد بها الشَّرْعِيَّة والْكَوْنِيَّة، فالشَّرْعِيَّة ما جاءت بها الرُّسل، والْكَوْنِيَّة مخلوقات الله الَّتِي نشاهد ونسمع.
وقَوْلهُ:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(لعل) هَذِهِ للتَّعليل، أي: لأجل أن تعقلوا، ومعنى العَقْل هُنا: الفَهْم، على ما مشى علَيْه المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ.
ولكن الأصح أنَّه أعم من ذَلِك، وأنه الفَهْم وحسن التصرف؛ لأَن العَقْل كما تقدَّم نوعان: عقل الإدراك وعقل التصرف.
فعقل الإدراك هو مناط التكليف الَّذِي يتميز به الْإِنْسَان عن المجنون، وهو حاصل للمسلم والكافر والبر والفاجر.
وعقل التصرف هو إحسان التصرف، أن يتصرف الْإِنْسَان تصرفًا مبنيًّا على عقل؛ لأنَّه من العقال؛ إِذْ يَعْقِلُ صاحبه فيحسن التصرف، هَذَا يخرج منه الكافر والفاسق؛ لأنهما لم يحسنا التصرف فهما غير عَاقِلَيْنِ، ولِهَذَا دائمًا ينفي الله العَقْل عن الْكُفَّار، مع أنهم من أذكى النَّاس وأفهمهم، لكن لَيْسَ عندهم حسن التصرف، عندهم عقل الإدراك فقط، والذي يحمد علَيْه الْإِنْسَان هو عقل التصرف، أما العَقْل الأوَّل فلا يُحمد عليه؛ لأنَّه لَيْسَ من كسبه.
المُهِمّ أن المُراد بالعقل هُنا لَيْسَ مُجرَّد الفَهْم؛ لأَنَّنا إِذَا فسّرناه بمجرد الفَهْم حوّلناه إلى عقل الإدراك فقط، وعقل الإدراك لَيْسَ مناطًا للمدح، وإنَّما المناط للمدح عقل التصرف الَّذِي يحسن به الْإِنْسَان التصرف، وهَذَا هو المُراد بهَذِهِ الآية: