وقد التزم الصَّحابَة - رضي الله عنهم - هَذَا الأدب فصاروا ينادون النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بوصفه بالنُّبوة أو بالرسالة، وما ورد على خلاف ذَلِك من أقوال الصَّحابَة أو دعائهم؛ فإما أن يَكون قبل النَّهْي، وإما أن يَكُون من جاهل كالذي يحصل من بعض الأعراب.
هَذَا ما ذهب إلَيْه المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ وبعض المفسرين.
وقال آخرون: المُراد من دُعاء الرَّسُول، أي: دُعاء الرَّسُول إياكم، فيَكُون المَصْدَر مضافًا إلى فاعله، أي: لا تجعلوا دُعاء الرَّسُول إِذَا دعاكم كدُعاء بعضكم بعضًا، إن شئتم أجبتم وإن شئتم تركتم، بل إن النَّبِيّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إجابته فرض.
وعلَيْه فإذا أمرنا بأمر أو دعانا لأمر فإن إجابته فرض علَيْنا، فالنَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ كغيره؛ إن شئنا أجبنا وإن شئنا تركنا، وعلى هَذَا فيَكُون في الآيَة نهي عن معْصِيَة الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وأمر بطاعته، ويؤيد هَذَا قَوْلهُ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)}، فإن سِيَاق الآية يؤيد هَذَا القَوْل.
لو قِيلَ بأن الآية شاملة المعنيين يجوز أو لا؟
يجوز أن جعلها شاملة للمعنيين؛ لأننا أسلفنا قاعِدَة في هَذَا، وهي: أن الآية إِذَا كَانَت تحتمل المعنيين بدون تناقض، فإنها تحمل عليهما جميعًا، أما إِذَا كَانَت تحتمل المعنين لكن معنى كل واحد يخالف الآخر، فإنَّه حينئذ يَجب طلب الترجيح الَّذِي يرجح أحد المعنيين؛ فيؤخذ به، وأما إِذَا كَانَت صالحة لهما ولا منافاة بينهما، فإن الواجب حملها على المعنيين جميعًا.
فعلَيْه نقول: إن هَذَا من باب الأدَب في مخاطبة الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ والأدَب