قَوْلهُ:{قَدْ يَعْلَمُ} تقدَّم أن {قَدْ} إِذَا دخلت على الفِعْل المُضار فإنها تفيد التَّقليل كما في قولهم: "قد يجود البخيل"، لكنها تدلّ على التَّحقيق إِذَا دلت القرينة على ذَلِك؛ فهُنا قَوْلهُ:{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} لا يُمْكِن أن نجعلها للتقليل، لأَن علم الله عَزَّ وَجلَّ ثابت مستقِر، فتكون {قَدْ} للتحقيق، ولم يعبر بقَوْلهُ:[قد علم ما أنتم عليه] إِشارَة إلى ما سيفعلونه في المستقبل، وأنه عليم بما صَدَرَ وبما يَصدر، فهُنا الاستقبال لَيْسَ للعلم، ولكن للمعْلُوم، لأَن علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سابق أزلي، وإنَّما هو للمعْلُوم الَّذِي سيفعله هَؤُلَاءِ، فإن الله تَعَالَى يعلمه باستمرار.
وقَوْلهُ:{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} يرى المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: الخِطَاب للمكلفين، يعني: يعلم ما أنتم - أيها المكلفون - عليه، ولو جعله رَحَمَهُ اللَّهُ للنَّاس عُمومًا لكان أولى، أي: ما أنتم - أيها النَّاس - عليه، ليشمل المكلف وغير المكلف، لأَن غير المكلف أيضًا يُثاب على ما يفعل من الأعْمَال الصَّالحة، ولا يكتب علَيْه ما يعمل من الأعْمَال السيئة، وعلى هَذَا فالله تَعَالَى عليم بما هو علَيْه حَتَّى غير المكلف.
وقول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ:[مِنْ الْإِيمَان وَالنِّفَاق] يَنْبَغِي أن يَكُون هَذَا من باب التَّمثيل ولَيْسَ من باب الحصر؛ لأَن الله يعلم ما نحنُ عليه، لَيْسَ من الإِيمَان والنِّفاق فقط، بل من الإِيمَان والنِّفاق والعَمَل الصَّالح والعَمَل السَّيئ والرخاء والشِّدة وغير ذَلِك، كل ما نحنُ علَيْه من الأَحْوال والأعمال فإن الله تَعَالَى يعلمه.