قَوْلهُ:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} إلى آخِره، الفضلُ من آثار الرَّحمة في الحَقيقَة، لكنَّ الرَّحمةَ تَكُون فيما يضطر إلَيْه العَبْد، وتكون في الزِّيادة أيضًا، والفضلُ في الزِّيادة فقط، فيَكُون عطفُ الرَّحمة هُنا على الفضلِ من باب عطف العامِّ على الخاصِّ؛ لأَن الفضلَ من آثار الرَّحمة، لكنَّه أخص منها؛ إِذْ إنه زائدٌ على ما يحتاج إلَيْه العبدُ ويضطر إلَيْه، وأما الرَّحمةُ فتكون فيما يحتاجُ إلَيْه العبدُ وفيما زادَ على ذَلِك.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[بِالسَّتْرِ فِي ذَلِك]، هَذَا بناء على خصوصِ الآيَة في المتلَاعِنَيْنِ، والصوابُ أن الآيَة عامَّةٌ يعني:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} في هَذَا وغيره، لحَصَلَ لكم ما لم يَحْصُلِ لكم الآن.
وقَوْلهُ:{وَأَنَّ اللَّهَ} معطوف على {فَضْلُ} يعني: ولولا أيضًا أن الله توابٌ حكيمٌ.
قَوْلهُ:{تَوَّابٌ} سبق أن التَّواب هو كثير التَّوبة، وأن توبة الله علَى عِبَادِه تنقسم إلى قِسْمَيْن:
أحَدهما: التَّوفيق للتَّوبة.
والثَّاني: قبول التَّوبة.
ومنه قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة: ١١٨]، وتُطلق التَّوبةُ من العَبْد إلى الله، وهي بمَعْنى الرُّجوع من مَعْصِيَته إلى طاعته، فالعبدُ توابٌ، والله توابٌ، لكنَّ هُناكَ فرقًا بين (تَوَّاب) الَّتِي يُوصفُ بها الله و (تَوَّاب) الَّتِي يُوصفُ بها العَبْد، فالتي يُوصف بها الله مَعْناها الموفِّق للتوبة القابلُ لها، والتي يُوصف بها العَبْد مَعْناها الرَّجّاع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ من مَعْصِيَته إلى طاعته.