وقَوْلا:{حَكِيمٌ}، سبق القَوْل إنها مُشتقةٌ من الحُكْمِ والحكْمَةِ، فتكون بمَعْنى حَاكم وبمَعْنى مُحْكِم، وحُكْمُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينقسم إلى كونيٍّ وشرعيٍّ، والحكْمَةُ تَكُون في الحُكم الكَوْنِيّ وتكون كَذلِكَ في الحُكم الشَّرعي، فمحل الحكْمَةِ الحُكْمَان؛ أي الحُكْم الكَوْنيّ والحُكْم الشَّرعي، وتكون كَذلِكَ في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة، وحكمةُ الله لَيْسَت هي غايات الْأُمُور، بل تَكُون في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة.
كَيْفَ تَكُون الحكْمَةُ في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة؟
الجواب: يعني أن الله لا يُوجِد شيئًا إلا لحكمةٍ، ثم إيجاده على صُورَة معينة حكمةٌ أُخْرَى، ثم الغَايَة من هَذَا الإِيجَاد حكمةٌ ثالثة.
فمثلًا إيجاد الشَّمس يَكُون لحكمةٍ، وكونها على هَذِهِ الصُّورة المعينة، وبهَذِهِ الحرارة، وبهَذِهِ المسافة عن الأَرْض، وبهَذَا السَّير المعين، هَذِهِ تُعَدُّ حِكْمَة في الصُّورة، والغَايَة منها مصالحُ الخلق وهَذِهِ أيضًا حِكْمَة، كَذلِكَ إيجاد الْإِنْسَان حِكْمَة، وكونُه على هَذَا الوجه المعين حِكْمَة، والغَايَة من إيجاده حِكْمَة، وهَكَذا في الْأُمُور الْكَوْنِيَّة والشَّرْعِيَّة فإن تَشْريع الشرائع حِكْمَة، وكونها على هَذَا الوجه المعين حِكْمَة والغَايَة منها وهو إصلاح الخلق حكمٌ أيضًا.
قَوْلهُ:{وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ}؛ الحَكِيم قُلْنا: إن معناه حَاكِم ومُحْكِم أي: متقنٌ ذو حِكْمَة، والحكْمَةُ -كما تقدَّم- تَكُون في الشَّرع وفي القَدر؛ لأنَّها تَكُون في الحُكْمَيْنِ، وتكون في الإِيجَاد والصُّورَة والغَايَة.