لكن من راعى المَعْنى قَالَ: الآية السَّابقة تدُلّ على أن الرمي بالزِّنَا يوجب الحد، وهَذه الآية تدُلّ على أن رمي المَرْأَة بالزِّنَا يوجب اللِّعَان، فتبقى الآية هُناكَ بالنِّسْبَةِ للأجنبي عَلى عُمومِها وهَذ بالنِّسْبَةِ للزوجة على خصوصها، لكن السُّنَّة في الحقيقَة هي الفاصِلَة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَجدَّ الرَّجل الَّذِي قذف امرأته بشَرِيك بن سَحْمَاء.
لَكِنِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: يُحَدُّ، يجيبون عن هَذَا فيَقُولُونَ: مَنْ قَالَ إن شريك بن سَحْمَاء طالبَ بحقِّه، وحَدُّ القَذْف لا يَجب إلا بالمطالبة؟
لكنَّنا نقول رَدًّا على هَذَا: مَسْأَلة كَوْنِ حَدِّ القَذْفِ لا يَجب إلَّا بالمُطالبة مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لأَنَّ عُمُوم الآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤]، لا تقيد ذَلِك بالمطالبة، وكَوْنُ هَذَا حقًّا خاصًّا للمقذوف أيضًا مَحَلُّ نَظَرٍ وغَيْرُ مُسَلَّمٍ به؛ لأنَّ تدنيسَ أعْرَاضِ المُسْلِمِينَ لَيْسَ حقًّا شخصيًّا في الواقِع، بل يَتعلَّق بعُموم المجتمع الإِسْلَامي، ولهَذَا أنا أميل إلى أن حَدَّ القَذْف يَجب وإنْ لم يطالب به المقذوفُ، المُهِمّ أن يثبت، حَتَّى لو كَانَ المقْذُوف لا خير فيه ولا يُرِيد أن يدافع عن عرضه وسكت، نقول: المُسْلِمُونَ هم الَّذِينَ يدافعون عن عرضك ويقام الحدُّ عليه.
ولو قَالَ قَائِل: ذكرتم إِذَا عين زوجُ المَرْأَة الرَّجل الأَجْنَبِيّ -الزَّاني- فإنَّه لا يُحَدُّ للحديث، لكن إِذَا وُجِدَتْ قَرائنُ وأمارات هل يحدُّ أم لا؟
الجواب: الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لم يتبَيَّن الْأَمْر، ورجحان قَوْل الزَّوج إلَّا بعد الوضع، فكَيْفَ يزيد أن نُحِيلَ الحُكْم على أمر لم يتبَيَّن من قبل؟ ثم لو فرض أنَّه توجد أمارات وقرائن -اللَّهم إلَّا إن كَانَت هَذ الأمارات والقَرَائِن قد تؤدي إلى كون المقْذُوف لَيْسَ محصنًا- فلا يَجب الحَدُّ بِقَذْفه وإنَّما يَجب التَّعْزِيرُ؛ لأنَّ قَذْفَ غيرِ المُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِير.