وعَدُّهُ؛ أي: عَدُّ المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ- عبد الله بن أُبَيٍّ من هَؤُلَاءِ العُصْبة على أساس أن عبدَ الله بن أُبَيٍّ كَانَ يتظاهرُ بالْإِسْلَام، ويتظاهر بأنه مع المُؤْمِنِينَ، ولكنَّه في الحَقيقَة منافقٌ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}[البقرة: ١٤]، ثم إن عبد الله بن أُبَيٍّ لم يصرح بالقَذْفِ، وإنَّما لِخُبْثِهِ يجمعه ويشيِّعه بين النَّاس بلفظٍ لَيْسَ فيه تصريحٌ، ومع هَذَا فهو الَّذِي تولى كِبْرَ هَذَا الْأَمْر، كما سيأتي.
فالخِطَاب في قَوْلهُ:{عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} للمُؤْمِنِينَ، ولا شَكّ أن مثل حسَّان بن ثابتٍ - رضي الله عنه - ومسْطَح بن أثاثَةَ وحَمْنَةَ بنتِ جَحْشٍ مُؤْمِنُونَ، وأنهم لم يخرجوا من الإِيمَان بما فعلوا؛ لأنَّه قبل تَبَيُّنِ الحُكْم.
قَوْلهُ:{لَا تَحْسَبُوهُ} نهى أن نظن بأن هَذَا الإفْكَ شَرٌّ لنا قبل أن نثبتَ أنَّه خيرٌ؛ لأنَّه لا شَكَّ أن المُؤْمِنِينَ، حين وقع هَذَا الإِفْكُ، أصابَهم ما أصابَهم من الأَذَى، وظنوا أن ذَلِك شَرٌّ، فأَرَادَ الله تَعَالَى أن ينتزعَ هَذَا الظَّنَّ من نفوسهم قبل أن يُبَيِّنَ حُكْمَه؛ لأَنَّ هَذَا أول ما يَنْبَغِي معالجته بالنِّسْبَةِ لِهَذَا الإِفْك، وهو انتزاع ما يظنه بعض المُؤْمِنِينَ من أن هَذَا الإِفْك شَرٌّ، وبعد ذَلِك تأتي المعالجةُ، ولذا يَقُولُونَ: إنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْلَ التَّحْلِيَةِ؛ أي تخلية الشَّيء من القبح والتَّشويه قبل تحليتِه بالشَيْء الجميل؛ لأنك لا بُدَّ أن تزيل الأشواك أولًا قبل أن تفرش.
فلهَذَا نهى الله أن نحسب هَذَا شرًّا حَتَّى يختلع ذَلِك من نفوسنا أولًا ثم تَكُون مستعدة للتحلية، ولإِثْبات ما يُثبت ويُحدَّث عنه في شأن هَذَا الإِفْك، فتبين بهَذَا أنَّه يَنْبَغِي عند معالجة الأَشْيَاء أن نزيل أولًا الأَذَى لنفتح الطَّريق أمام الخَيْر حَتَّى يَلِجَ.