وقَوْلهُ:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} فيه أيضًا أنَّه يَنْبَغِي أن يبدأ بأهم شَيْء، وهو أن يُزال ما في النُّفوس من ظَنِّ أن يَكُون هَذَا الإِفْك شرًّا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولآل أبي بكر وللمُؤْمِنِينَ عُمومًا؛ لأَنَّ حَقِيقَة الْأَمْر لو وقع هَذَا -وحاشا لله أن يقع- لكان هَذَا شرّا بالنِّسْبَةِ لآل أبي بكر وبالنِّسْبَةِ لنبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولِهَذَا لا يُمْكِن للمُؤْمِيينَ حقًّا أن يَظنُّوا هَذَا الظَّن، وأجِلَّاء المُؤْمِنِينَ من الصَّحابَة أنكروا ذَلِك وقالوا: لا يُمْكِن أن يَكُون، وممن أنكره أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - وغيره، أنكروا أن يَكُون هَذَا، ولكن بعض النَّاس لكثرة التَّرويج والإشاعات، وأيضًا مما ينفثُ الشَّيطان في قلوبهم، حصل منهم بعض الشَّك.
والصَّحابَة المُؤْمِنُونَ انقسموا بهَذَا إلى ثلاثة أقسام:
القِسْم الأوَّل: قسم حصل منه ما حصل من الانحراف في هَذَا الْأَمْر.
القِسْم الثَّاني: قسمٌ منهم أنكر ذَلِك إنكارًا بالغًا وقال: هَذَا لا يُمْكِن.
القسمُ الثَّالثُ: توقَّفَ وشكَّ في الْأَمْر، لكن الأجلاء من الصَّحابَة والمعظم منهم أنكروا ذَلِك، كما ذكره أهْل العِلْم.
قَوْلهُ:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} أولًا: كَيْفَ لا نحسبه شرًّا؟ نحنُ نُؤْمِن بِذَلِك لأَنَّ الله قَالَ:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا} وإن كَانَ الْإِنْسَان قد يظن بادئ ذي بدء أنَّه شر، وهَذَا شَيْء معْرُوف، رجل يقذف أهلك أول ما تظنه تعلم أن هَذَا شرٌّ مُوَجَّهٌ إليك، هَذَا أمر مُسلَّم به، فلمَّا قَالَ اللهُ:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} انتهت المشكلة هَذِه، وقُضِيَ عَلَيْها بنهي الله -عَزَّ وَجَلَّ- العليم بما سيَكُون، بأنه لَيْسَ بشَرٍّ.
بقي أن يُقال:{بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} نحنُ نُؤْمِن بهَذَا أيضًا وأنَّه خير لنا، لكن