وكانت في بيت والدها، ولم تعلم إلَّا في آخر الْأَمْر؛ إِذْ خرجت تقضي حاجتها فعثرت، فقالت أُمُّ مِسْطَح: تَعِسَ مِسْطَحٌ؛ لأنَّها أيضًا لَيْسَ في قلبها إلَّا ما حصل.
وإنَّما خَصَّتْ مِسْطَح بن أُثاثَةَ من بَيْنِ الَّذِينَ قالوا ما قالوا: لأنَّهُ كَانَ ابنَ خالة أبي بكر، وكان المفروضُ أنَّ مثله يُدافع عن هَذِهِ القَضيَّة لقرابته، لكن كَانَ أمر الله قَدَرًا مَقْدُورًا، فلمَّا قالت: تَعِسَ مِسْطَحٌ؛ استغربت عَائِشَة - رضي الله عنها - من قَوْل أم مِسْطَح، فسألت: ما الْأَمْر؟ فأخبرَتْها بالْأَمْر، وقالت: إن النَّاس يَقُولُونَ في هَذَا الْأَمْر منذ كذا وكذا، فازداد ألمها ومرضها حَتَّى جعلت تبكي ولا تنام - رضي الله عنها -، وحُقَّ لها أن تفعل هَذَا؛ لأَنَّ الْأَمْر عَظِيم، فجاء النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذات يوم إلَيْهم.
وتقول عَائِشَة - رضي الله عنها -: إنَّها أيضًا قد استنكرتْ من النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- لأنَّها كَانَت تعتاد منه لِينَ الجانب والتَّحَفِّي عنها بالسُّؤال إِذَا مرضت، أما هَذِهِ المرة فلم يتحفَّ بل يَقُول:"كيْفَ تِيكم؟ " ويجلس قليلًا ثم يخرج.
وفي يوم من الأيَّام جاء النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: كَيْفَ تِيكم على العادة، فبينما هو جالس إِذْ نزل علَيْه الوَحْي بالفرج من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وببراءة عَائِشَة - رضي الله عنها -، فلمَّا سُرِّيَ عنه، فإذا هو يضحك -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فقال لها:"أَبْشِرِي يَا عَائِشَة" فقالت: مِنْكَ أَوْ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ:"بَلْ مِنَ اللهِ" فقالت: الحمْدُ للهِ (١).
ثم انتهت قصةُ الإفْكِ، ولكن حَصَلَ ما حصلَ فيها من هَذَا البَلاء العَظيم.