لما حَصَلَ الَّذِي حصلَ، وجد عبد الله بن أُبي بن سَلُولَ ونُظَرَاؤُه من المُنافِقِينَ مُتَنَفَّسًا يتنفسون منه الصُّعداء للقَدْح في النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم-، فجعلوا يتكلمون: ما الَّذِي أتى به؟ ما الَّذِي خلَّفه؟ ما الَّذِي خلَّف عَائِشَة؟ ثم صاروا يجمعون الحَديث ويصوغونه ويزخرفونه حَتَّى شاع الخبر وانتشر.
تَألَّمَ النَّبيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ولابُدَّ أن يَتَألَّمَ، تَألَّمَ في الحَقيقَة من وجهين:
أولًا: لأنَّ عَائِشَة - رضي الله عنها - فِراشُه وأَحَبُّ نسائِه إلَيْه، وهو يحبها وهي تحبه.
ثانيًا: أنَّها ابنةُ أَعَزِّ النَّاس إلَيْه أبي بكر الصِّديق - رضي الله عنه - فكَيْفَ يقع هَذَا الْأَمْر وكَيْفَ يَكُون؟ ولذا ضاقت على النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- الضَّائقة، حَتَّى إنَّه مع شدة صبره ومع فهمه لأهله ونزاهتهم وبعدهم عما رُموا به دخل علَيْه مما دخل، فصَارَ يستشير بعض أصْحابه: هل يُفارِق عَائِشَة أو لا يُفارقها؟ فمنهم من يشير علَيْه بعدم المفارقة ويقول: أهلك يا رَسُول الله لا نعلمُ إلَّا خيرًا، ومنهم من أشار علَيْه بالمفارقة لما رأى تأذيه - صلى الله عليه وسلم - وقال: إنَّه إِذَا فارقها يستريح.
وممن أشار بِذَلِك عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ابن عم النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ لأنَّه قريب النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فقد رأى من النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مشقَّةَّ عظِيمةً وأذىً كبيرًا فقال: لعله إِذَا طلقها يستريح ويطمئن، لكن كبار الصَّحابَة - رضي الله عنهم - قالوا: هَذَا أمر لا يُمْكِن، وممن أشار علَيْه بأن يمسكها ولا يطلقها أسامةُ بن زيدٍ - رضي الله عنهما -.
عَلَى كُلِّ حَالٍ بَقِيَ الْأَمْرُ هكذا في زعزعةٍ وقلق وشدة إلى تمام الشَّهر، عَائِشَة - رضي الله عنها - ما كَانَت تعلم بما يقول النَّاس، ولا تدري عنه شيئًا؛ لأنَّها كَانَت مريضةً،