هَذِهِ الجُمْلَة في الحَقيقَة إن قلت: إنَّها شرط في قَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧)} فإنَّه يَجب أن نؤول المَوْعِظَة هُنا بالمَوْعِظَة النَّافعة لا بمجرد ذكر المَوْعِظَة؛ لأَنَّ المَوْعِظَة لا تنفع إلَّا بشرط الإِيمَان.
وأمَّا إِذَا قُلْنا: إن المَوْعِظَة بَيان لما يتعظ به المرء فلَيْسَ الإِيمَان شرط في ذَلِك، فإن مَوْعِظَة الله مُلقَاة لكلِّ أحدٍ سواء كَانَ مؤمنًا أم غير مُؤْمن، ولكن لا ينتَفِع بها إلَّا المُؤْمِنُ، قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} هَذَا عام {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: ٥٧]. فالحاصِل: أن قَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كَانَت قيدًا في قَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ} فالمُراد بالمَوْعِظَة المَوْعِظَة النَّافعة فإنَّها هي الَّتِي تنفع المُؤْمِن، أو نقول: إن كَانَت المَوْعِظَة إلقاءُ ما به الوعظ للنَّاس سواء انتفعوا أم لم يَنْتَفِعوا فإن قَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} مستقلَّة وجوابها محذوف؛ أي: إن كنتم مُؤْمِنِينَ فاتَّعِظوا بما وعظكم اللهُ به، وعلى كلا الاحتمالَيْن فيه إِشارَة واضِحة على أنَّه لا يَنْتَفِع بمَوْعِظَة الله إلَّا المُؤْمِنُ، أما غير المُؤْمِن فإنَّه لا يَنتفِع.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: تحذير المُؤْمِنِينَ أن يقع منهم هَذَا العَمَل.
الفَائِدة الثَّانية: أن الوقوع في مثل هَذَا ينافي الإِيمَان؛ لقَوْلهُ:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا} يعني يعظكم من العود {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ثم قد ينافي كماله أو أصله حسب ما تقْتَضِيه الحال.
الفَائِدة الثَّالِثَة: أن الإِيمَان منه أعمال ينتَفي بانتفائِها؛ لأَنَّ الله جعل هَذِهِ الأَشْيَاء منافية لِلْإيمَانِ.