والحَقيقَة عند التأمل ربَّما يُقالُ: حَتَّى الآيات الْكَوْنِيَّة ربَّما يعمى عنها بعض النَّاس؛ لأَنَّ من النَّاس من يظن أن هَذِهِ الآيات لَيْسَت ناتجة أو لَيْسَت من فعل خالق، وإنَّما هي طبائع تتفاعل ويتولَّد بعضها من بعض وبدون أن يَكُون لها مدبر أو خالق، وعلى هَذَا فتكون أيضًا الآيات الْكَوْنِيَّة كالآيات الشَّرْعِيَّة خلافًا لما قررناه سابقًا.
لهَذَا نقول:{وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} أي: يُظهرها حَتَّى تَتَبيّن، ولا فرق في ذَلِك بين الآيات الْكَوْنِيَّة والآيات الشَّرْعِيَّة، ولهَذَا لما خسفت الشَّمس في عهد الرَّسُول - عليهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ماذا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ"(١).
حَتَّى خسوفهما من آيات الله لأنَّه لو أن البشر كلهم اجتمعوا على أن يكسفوا الشَّمس لا يستطيعون، فإِذَنْ الكُسوف من آيات الله لأَنَّ معنى الآية هو ما يدُلّ على ما كَانَت آية له، بمَعْنى أنَّها لا يُمْكِن أن يأتي بها أحد سوى من كَانَت آية له.
وقَوْلهُ:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ} أي ذو علم واسع شامل فيما يَتعلَّق بفعله وفيما يَتعلَّق بفعل المخْلُوقين، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليم بما كَانَ وبما سيَكُون من فعله ومن فعل المخْلُوقين، و {حَكِيمٌ} سبق أنَّها مشتقة من الحكْمَةِ والحُكْم، وموضع الحكْمَةِ ومحلها الشَّرع والقَدَر، ففي الشَّرع كُلُّ ما شرعه الله فإنَّه مطابق للحكمة.
(١) أخرجه البُخاريّ، كتاب الجمعة، باب صلاة الكسوف جماعة، حديث رقم (١٠٥٢)، عن ابن عباس، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، حديث رقم (٩٠١)، عن عَائِشَة.