والحديث يدُلّ على أنَّه لا يجتمع له الْأَمْران، والتَّوفيق بينهما أن نقول: إنه إِذَا فاته عَذاب الدُّنْيَا أصيب بعَذاب الْآخِرَة.
الحاصل أن الحَديث في الحُدُود الشَّرْعِيَّة، لكن محبَّة إشاعة الْفَاحِشَة أو شيوع الْفَاحِشَة لَيْسَ هو القَذْف الموجب للحد، هَذَا إنما يوجب التَّعْزِير، والتَّعْزِير قد يختلف ويصير هَؤُلَاءِ مستحقون للعَذاب في الْآخِرَة، يعني قد لا يعزرون ويتخلف التَّعْزِير بسبب من الأَسْباب.
وأما عَذابهم في الْآخِرَة فباق، يعني لو تخلف عَذاب الدُّنْيَا لم يتخلف عَذاب الْآخِرَة، على أن المُراد بالْعَذابِ قد يَكُون ما هو أعم من الجلد وشبهه فقد يَكُون الْعَذَاب بأن يُجعل في قلبه ألمًا وحزنًا وقلقًا وما أشبه ذَلِك.
فعلى هَذَا نقول: إن الآية هَذه فيمن يحب أن تشيع الْفَاحِشَة لا فيمن أشاعها، لكن هل علَيْه حدٌّ في الدُّنْيَا أعني الَّذِي يحب أن تشيع الْفَاحِشَة فقط مع أنَّه هو ما أشاعها؟ نعم لَيْسَ علَيْه حد؛ لأَن مُجرَّد محبَّة الْإِنْسَان لشيوع الْفَاحِشَة في المُؤْمِنِينَ لَيْسَ بِقَذْف، فلا يُقام علَيْه الحد، لكن يُعذب أو يُعاقب بما يسميه أهْل العِلْم التَّعْزِير.
فالتَّعْزِير يردعه وأمثاله عن هَذَا العَمَل، فإذا أُقيم علَيْه الحدّ لمعصية من المعَاصِي فإنَّه يَكُون كفارة له كما ثبت ذَلِك عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالحد يَجب إقامته؛ لأَن الحُدُود فرائض لا بُدَّ من إقامتها، والتَّعْزِير بعض العُلَماء يَقُول: لا يَجب، ومنهم من يرى أنَّه يرجع إلى اجتهاد الْإِمَام، فالْإِمَام إِذَا رأى أنَّه لا يُقام فلا يقيمونه، فإذا فرضنا أن الْإِمَام اجتهد سواء أخطأ في اجتهاده أم أصاب ولم يُقِم الحدّ علَيْه هَذَا معناه أنَّه يُعاقب في الْآخِرَة ولابُدَّ.