بالنسبة للقصر والإتمام هل يربط بالمشقة كما يربط الصيام؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قصر الصلاة وهو مقيم في مكانه لم يجد به السير، ولا يشق عليه الإتمام، ولذا فإن الأفضل هو القصر، وعرفنا أن الحنفية يوجبونه، بينما الصيام مربوط بالمشقة إن ارتفعت المشقة فالصيام، فقد صام النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان يسافر ومعه أصحابه منهم المفطر، ومنهم الصائم، ولا ينكر هذا على هذا، ولا هذا على ذاك، فدل على مشروعية الصوم في السفر إذا انتفت المشقة، وإذا وجدت المشقة ذهب المفطرون بالأجر، وإذا زادت المشقة فأولئك العصاة، وليس كذلك القصر، سواءً وجدت المشقة أم لم توجد ما دام الوصف الذي هو السفر موجوداً فإنه يقصر الصلاة على الخلاف الذي سيأتي ذكره في المسافة والمدة.
"متفق عليه".
"وللبخاري عنها" يعني عن عائشة "قالت: فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن إتمام الصلاة في الحضر إنما كان بعد الهجرة، وكان في مكة يصلي ركعتين ركعتين، "ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الأولى" في بعض النسخ: "على الأول" يعني على الفرض الأول، أو على الفريضة الأولى.
"وعن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات" إسناده صحيح، من حيث الإسناد لا إشكال فيه، ورواته كلهم ثقات، لكن هل هو بهذا اللفظ "يقصر ويتم، ويفطر ويصوم" بالياء في الأفعال الأربعة أو يقصر وتتم، يقصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتتم عائشة، ويفطر وتصوم عائشة؟ ولذلك قال المؤلف: والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة.
وأما النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، نعم صام في السفر، لكن لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما " رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي".