وبناءً على هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الوصال، قال بعضهم: إن الوصال محرم؛ لأنه هو الأصل في النهي إذا أطلق، ومنهم من قال: إنه مكروه، وليس بمحرم بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، ولو كان الوصال محرماً لما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يكون هذا من خصائصه لكن لما واصل بهم، لما أقحمهم في محرم، ولما عاقبهم بمحرم، فقالوا: إن الوصال مكروه، ومنهم من يقول: إنه ما دام الوصال سببه الشفقة عليهم، والإبقاء عليهم فإنه لا يصل إلى حد الكراهة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((فمن كان منكم مواصلاً فليواصل إلى السحر)) فالوصال إلى السحر جائز، لكن يبقى أنه خلاف الأولى، فالأولى أن يبادر بالفطر إذا تحقق من مغيب الشمس.
"وعنه -رضي الله عنه-" يعني عن أبي هريرة، راوي الحديث السابق "وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري".
الله -عز وجل- طلب من عباده أن يعبدوه، وخلقهم لذلك، فتحقيق العبودية هي الحكمة من وجود الثقلين، طلب منهم أن يعبدوه، وأراد منهم ذلك على الوجه الذي جاء عنه، وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كانت هذه العبادة على غير مراد الله، وعلى غير مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل تكون مطلوبة؟ إذا كان فيها مخالفة، أما إذا كانت المخالفة مضادة لأصل المشروعية فالعمل باطل، وإذا كانت المخالفة في أمر خارج عن أصل المشروعية عن ذات المطلوب، أو شرطه أو جزئه المؤثر، فالعبادة تصح ويسقط بها الطلب، لكن يبقى الإثم كما هنا ((من لم يدع قول الزور)) هذا صائم، ومع ذلك يتكلم في أعراض الناس، ويزاول ما حرم الله -جل وعلا- من آفات اللسان، كالكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة، وما أشبه ذلك، هذا كله زور لازوراره وميله عن الحق، ومن عظائم الأمور، بل من الموبقات التي كررها النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادة الزور، ولا يلزم أن تكون شهادة الزور في الأمور المادية، هذا هو أصلها، وهو أوضح ما توجد فيه، لكن قد توجد شهادة الزور في أمور معنوية، و ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)).