((من لم يدع قول الزور)) من لم يترك، وهذه المادة التي هي الودع، بمعنى الترك استعمل المصدر فيها، الأصل:((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) يعني عن تركهم، وهنا ((من لم يدع)) من لم يترك، ((دع ما يريبك)) يعني اترك، يقول أهل العلم: إن الماضي من هذه المادة قد أميت، ما استعمل، ودع بمعنى ترك، استغني عنه بترك، وأما ما يذكر من قراءة "ما ودعك ربك" هذه قراءة شاذة.
((من لم يدع)) يعني من لم يترك ((قول الزور)) القول الباطل المنهي عنه الذي لا يقرب إلى الله، بل يبعد من الله -جل وعلا-، وهو من آفات اللسان؛ لأنه قال:((وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال-: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) هذا الذي يستعمل اللسان في القيل والقال، في المباح والمحظور، السلف -رضوان الله عليهم- كانوا يحفظون الصيام بالمكث في المساجد؛ لئلا ينجروا إلى الكلام من الكلام المطلوب من الذكر والتلاوة إلى الكلام المباح في القيل والقال، والذي لا يتورع في مثل هذه الظروف عن الكلام المباح يجره إلى الكلام المكروه؛ لأن اللسان له ضراوة إذا اعتاد شيئاً ما استطاع أن يتركه، لا يستطيع أن يتركه.
((من لم يدع قول الزور والعمل به)) يعني بمقتضى هذا القول كان كلاماً ثم بعد ذلك جره ذلك إلى العمل، أو يقال: إن قول الزور هو في الحقيقة عمل، عمل اللسان، والعمل به.
((فليس لله تعالى حاجة)) يعني لا تدخل تحت مراد الله -جل وعلا- الذي من أجله خلق الخلق، وهو تحقيق العبودية، هذه العبودية ليست تحت مراد الله -جل وعلا-، فإن الله -جل وعلا- لا يريد مثل هذا العمل، وإلا فالله -جل وعلا- غني عن عبادات العابدين ((لو أن إنسكم وجنكم)) ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)) الله -جل وعلا- غني عن عبادات الخلق، لا تضره المعصية، ولا تزيده الطاعة، لكنه يفرح ويريد إرادة شرعية وكونية أن يعبد.