للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

((إذا حدث كذب)) (إذا) شرطية (حدث) فعل الشرط، و (كذب) جوابه، والتعبير بـ (إذا) يدل على أن هذا ديدنه، يعني كل ما حدث كذب، وأما من يحصل منه الكذب أحياناً ونادراً مثل هذا لا يكون منافقاً؛ لأن (إذا) تقتضي الاستمرار والجزم بوقوع الجزاء إذا وقع شرطه، يعني كلما حدث كذب -نسأل الله السلامة والعافية- ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) فتجد الإنسان يُستدرج في هذا الباب، في أول مرة يكذب من غير قصد ليضحك أو لينكت، أو لأمر من الأمور والمقاصد التي يفعلها بعض الناس، ثم بعد ذلك يزيد، تجده خاطره معمور بالتزوير تزوير الكلام الكاذب، ماذا يقول لأصحابه إذا جلس معهم؟ ينسج ويزور في نفسه كلاماً يدخل به السرور على أصحابه على حد زعمه، ثم بعد ذلك يزيد، ثم لا يلبث أن يكون كذاباً، يكون كذبه أكثر من صدقه، فيكذب لمصلحة ولغير مصلحة -نسأل الله السلامة والعافية- ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) وعرفنا أن الكذب إذا لم يطابق الواقع فهو كذب، لكن هناك صور أُبيحت للمصلحة الراجحة من هذا النوع للإصلاح، كذب الرجل على زوجته، وفي الحرب مثلاً، المقصود أنه إذا صارت المصلحة راجحة، وقد لا يقصد بهذا الكذب الصريح قد يقصد منه المعاريض، فإذا كانت المعاريض تؤدي الغرض ففيها مندوحة عن الكذب، هناك أمور لا تطابق الواقع، ومع ذلك تداولها بعض العلماء مثل المقامات، المقامات الأدبية من هذا النوع، حدث الحارث بن همام قال .. ، ما في حارث بن همام أصلاً، وحدث عيسى بن هشام، وحدث فلان وعلان، ما في شيء، اخترعها اختلقها من تلقاء نفسه، صاحب المقامات اختلقها، ومع ذلك تداولها الناس، واعتنوا بها، وقرروها ودرسوها وشرحوها، وهم يعرفون أنها كذب، وزاولها جمع من أهل العلم قالوا: للمصلحة الراجحة، وكل يعلم أنه لا محدث ولا مُحدث، ومثل هذا المناظرات تعقد مناظرة بين خصمين، والأصل أن هذه المناظرة لا حقيقة لها، إنما هي على لسان شخص واحد، إذا أراد أن يبسط مسألة مثلاً بقولين لأهل العلم قال فلان كذا، وقال كذا، ورد عليه كذا، وقال كذا، ومن أوضح ما يذكر في هذا المناظرة بين العلوم، هذه لا يتصور الكلام فيها،