للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

((والخير كله في يديك)) وفي هذا إثبات لليدين لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته ((والشر ليس إليك)) يعني الشر لا ينسب إليك، إما على سبيل الاستقلال دون أن يضاف الخير إليه، ويكون هذا من باب الأدب {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} [(١٠) سورة الجن] أريد بني للمجهول {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(١٠) سورة الجن] أضيف إلى الله -جل وعلا-، فمن حسن الأسلوب والأدب ألا يضاف الشر إليه، وحينئذٍ لا يقال: يا خالق العقارب والحيات مثلاً تدعو ربك في سجودك يا خالق العقارب والحيات، نعم هو خالق العقارب والحيات، لكن هل مثل هذا مما يخص به الرب -جل وعلا-؟ يعني من باب الأدب في الأسلوب؟ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(١٠) سورة الجن] لما ذكر الشر بني الفعل للمجهول، ولما ذكر الخير أظهر الفاعل، وهو الرب -جل وعلا-، وهذا من باب تحسين وتلطيف الأسلوب والأدب في الأسلوب، وإلا الله -جل وعلا- خلقكم وما تعملون، وفي أعمالكم ما هو خير، وفي أعمالكم ما هو شر، يعني شخص لدغته حية فمات من الذي قدر عليه هذه المصيبة؟ نعم الرب -جل وعلا-، الرب -جل وعلا- هو الذي قدر عليه هذه المصيبة، وهي شر بالنسبة لهذا الشخص إلا أنها لا يمكن أن يقال: في أفعال الله -جل وعلا- ما هو شر محض، ما يمكن، لا يمكن أن يقال: هذا شر محض، قد يقول قائل مثلاً: لماذا تخلق العقارب والحيات؟ ولماذا .. ؟ ملك من الملوك شك في الحكمة من خلق الذباب، قال: ما الفائدة من خلق الذباب؟ فجالس واحد من جلسائه قال: ليذل الله به الجبابرة، تطرده عن وجهك ويرجع، وأصل التسمية من ذُب فآب، يعني طرد ورجع، وما يذر الجبابرة إلا مثل هذه الحشرات الصغيرة التي يظن أنه مسيطر على أعاظم الأمور، ثم تبتليه هذه الذبابة، ليس فيها شر محض، إنما فيها خير وفيها شر، يلدغ الإنسان فيحمد الله -جل وعلا- ويسترجع فترفع منازله، وتكفر سيئاته هذا خير عظيم، تلدغه حية فيموت ويكون الله -جل وعلا- قد حجبه عن شر، ولذلكم الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-.