لأن القصر تبليغ عن الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم عن الخطأ فيه، ما يمكن أن يقول: لم تقصر وقد قصرت، لكن النسيان؟ الواقع يدل على أن النبي كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) فترك المجزوم به المقطوع به المنفي شرعاً على لسان المعصوم وهو القصر وهو أنه لم يحصل، وأبقى الممكن وهو النسيان؛ لأنه لما قال:((لم أنسَ ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، أولاً: الاستقراء حصر الأمر في شيئين القصر والنسيان، انتفى القصر لنفي النبي -عليه الصلاة والسلام- له، وهو شرع ينتفي بنفيه؛ لأنه معصوم في التبليغ، وبقي النسيان المحتمل، فقال: بلى قد نسيت، واستثبت من الصحابة -رضوان الله عليهم- " ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) " قالوا: نعم "فأومأوا أي: نعم" وفي رواية: فقالوا: نعم.
"أومأوا" يعني إشارة، وعلى هذا لم يتكلموا وإنما أشاروا إشارة مفهمة، وفي الرواية الأخرى: فقالوا: نعم، ويمكن حملها على الإشارة؛ لأن القول كما يكون باللسان باللفظ يكون بالفعل أيضاً، فقال بيديه هكذا.
الإمام إذا غلب على ظنه شيء هل يرجح بقول واحد أو لا بد من مرجح؟ الإمام قال: لم أنس ولم تقصر جازم، فهل رجع إلى قول واحد، أو لا بد من مرجح؟ في حال الشك يرجع إلى قول واحد؛ لأن الشك مستوي الطرفين عنده، فيرجع إلى المرجح الواحد، لكن في حال غلبة الظن أو الجزم واليقين لا يكفي واحد، ولذلك قال:((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا أي: نعم، ما الذي حصل بعد ذلك؟ فصلى ركعتين، استقبل القبلة فنهض إلى الثالثة "صلى ركعتين ثم سلم" يعني بعد التشهد، يعني أكمل صلاته بالركعتين الأخريين والتشهد ثم السلام، ثم كبر "فسجد مثل سجوده" الذي يسجده في الصلاة داخل الصلاة، مثل سجوده، وهذه المثلية تقتضي المطابقة بالقول والفعل، بمعنى أن الوقت والطول واحد مثل سجود الصلاة، والقول أيضاً يشمل سجود السهو ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، فإذا سجد للسهو يقول: سبحان ربي الأعلى.