للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبب في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، قد مات كافراً والكافر لا يغفر له، كما نص على ذلك في القرآن والسنة {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(٤٨) سورة النساء] ولكنه بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، ولولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا حرف امتناع لوجود، يعني لولا وجود شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان عمه أبو طالب في الدرك الأسفل من النار.

قد يقول قائل: إن أبا طالب مشرك، ومعلوم أن المشركين في النار بلا شك، هذا أمر مقطوع به، لكن الذين في الدرك الأسفل من النار هم المنافقون، فهل هو مشرك أو منافق؟ هو مشرك بلا شك؛ لأنه يظهر الشرك، يعني ما يبطن الشرك ليقال: منافق، فهو مظهر للشرك فهو مشرك، والدرك الأسفل من النار للمنافقين، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ طيب كيف يجاب عنه؟

لا شك أن البلاغ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(١٥) سورة الإسراء] وبقدر هذا البلاغ تقوم الحجة، وأي بلاغ أبلغ مما وصل إلى أبي طالب منه -عليه الصلاة والسلام-، فقد قامت عليه الحجة بأجلى صورها، واعترف بأحقية هذا الدين، وأنه حق، وأن محمد صادق، ومع ذلك ما أسلم، فهذا يختلف حكمه عن عموم المشركين الذين بلغتهم الحجة مع شيء من الخفاء، أو مع عدم وضوح في الصورة عندهم، لكن هذا الصورة عنده مثل الشمس في رابعة النهار.

ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا

لولا المذمة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا الذي ليس له أدنى شيء يستمسك به؛ لماذا لا يكون في الدرك الأسفل من النار؟ قد يقول قائل: إنه خدم الدين وخدم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، نقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(٢٣) سورة الفرقان] لا قيمة له، ومع ذلكم شفع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخفف عنه العذاب بسبب هذه الشفاعة.