للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْ قَوْلَ زَيْدٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ إلَيْهِ إلَّا بِاجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ، أَوْجَبَا ذَلِكَ عِنْدَهُ. وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: (لَا) أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ جَائِزًا، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُفْتِي، لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي، لَمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْفُتْيَا جَائِزَةً، وَإِنَّمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى التَّوَقِّي، لِمَا قَدْ كَفَاهُ غَيْرُهُ. كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: (أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ يُسْتَفْتَى، إلَّا وَدَّ أَنَّ صَاحِبَهُ كَفَاهُ) . مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقِيسُ قَبْلَ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: (أَكَانَ هَذَا؟ فَقَالَ السَّائِلُ: لَا. فَقَالَ: أَجِمْنَا حَتَّى يَكُونَ) . وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إبْلِيسُ، وَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إنَّمَا عُبِدَا بِالْمَقَايِيسِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَقَايِيسَ الْفَاسِدَةَ، الَّتِي لَمْ يَقَعْ بِنَاؤُهَا عَلَى أُصُولٍ صَحِيحَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْمَقَايِيسَ الصَّحِيحَةَ. وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَعَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ جَائِزًا، وَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى، وَهُوَ يَحْكِي عَنْ إبْرَاهِيمَ، الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حَدَثِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَنَّهُمَا كَانَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ آثَارِ الصَّنْعَةِ، وَالتَّغْيِيرِ بِالْحَرَكَةِ وَالزَّوَالِ، فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: ٧٦] إلَى آخِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>