وَذَكَرَ أَبُو حُصَيْنٍ: أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَضَى بِقَضِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ وَلَكِنْ لَمْ آلُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقِيسُ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ (عَنْهُ) أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ آثَارٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ الْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى، كَانَ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ. وَقَدْ كَانَ حِفْظُ الْآثَارِ أَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّهُ كَانَ لَا يَقِيسُ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَفَاذُهُ فِي الْقِيَاسِ، كَنَفَاذِ غَيْرِهِ. كَمَا رُوِيَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَبَا الضُّحَى، كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ يَتَذَاكَرُونَ، فَإِذَا جَاءَهُمْ شَيْءٌ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِيهِ رِوَايَةٌ رَمَوْا إبْرَاهِيمَ بِأَبْصَارِهِمْ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ فِي الْقِيَاسِ أَنْفَذَ مِنْهُ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ أَحْفَظَ لِلْآثَارِ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يَقِيسُ، وَهُوَ يَعْنِي أَنَّ حِفْظَ الْآثَارِ، كَانَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ صَاحِبُ آثَارٍ، وَ (فُلَانٌ) صَاحِبُ قِيَاسٍ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا يَقُولَانِ بِالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ. فَنُسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَغْلَبِ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا أَنْكَرْتُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي الْحَوَادِثِ، وَأَقَاوِيلُهُمْ فِيهَا، إنَّمَا كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَالصُّلْحِ، أَوْ عَلَى جِهَةِ نَدْرِ الْمَسَائِلِ. لَا (عَلَى) جِهَةِ قَطْعِ الْحُكْمِ وَإِبْرَامِ الْقَضَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute