الْمَنَافِعِ كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ. إذْ لَمْ يُمْلَكْ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ حَالًّا فَحَالًّا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا. فَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ مِلْكُ الْمَنَافِعِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فِي حَالٍ ثَانِيَةٍ، صَارَ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ، وَهُوَ يَجْحَدُ الْبَيْعَ، فَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ بَعْدَ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَنَافِعِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ تَسْلِيمَ الدَّارِ لَا يَقَعُ بِهَا تَسْلِيمُ الْمَنَافِعِ، فَصَارَ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ادَّعَى فِي شِرَاءِ عَبْدٍ يَجْحَدُهُ الْبَائِعُ، فَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ مَوْجُودَةٌ يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي بِاتِّفَاقِهِمَا جَمِيعًا، وَالْبَائِعُ مُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ. فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي. وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْأَثَرِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاجْعَلْ الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِي تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ أَصْلًا تَقِيسُ عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ، كَمَا اعْتَبَرْت الْقِيَاسَ الْأَصْلِيَّ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْقِيَاسِ، وَتَخْصِيصِهِ عَلَى جِهَةِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَكَمَا تَقُولُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي يَتَجَاذَبُهُ أَصْلَانِ فَتُلْحِقُهُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، لِضَرْبٍ مِنْ التَّرْجِيحِ يُوجِبُهُ بِذَلِكَ الْأَثَرِ لِمَا كَانَ أَصْلًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ الَّذِي خَصَّهُ الْأَثَرُ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلٍ، فَقَدْ تَجَاذَبَ الْفَرْعَ أَصْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أَوْجَبَ الْقِيَاسُ الْأَصْلِيُّ.
وَالْآخَرُ: مَا يُوجِبُهُ الْأَثَرُ؛ إذْ هُوَ أَصْلٌ.
قِيلَ لَهُ: لَوْ اعْتَبَرْنَا مَا ذَكَرْت كَانَ الْقِيَاسُ الْأَصْلِيُّ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَةَ سَائِرِ الْأُصُولِ لِقِيَاسِهَا أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَخْصُوصِ لِقِيَاسِهِ؛ إذْ كَانَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَصْلَيْنِ مِنْ الْقِيَاسِ أَرْجَحَ وَأَقْوَى فِي النَّفْسِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ أَصْلٌ وَاحِدٌ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: أَنَّ قِيَاسَ الْأُصُولِ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، مَعَ وُرُودِ الْأَثَرِ الْمُخَصِّصِ لَهُ، وَقِيَاسَ الْمَخْصُوصِ لَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيَاسٌ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
فَإِنْ قَالَ: يَلْزَمُك عَلَى هَذَا: أَنْ (لَا نَقِيسَ) عَلَى الْمَخْصُوصِ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute