للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةً مَنْصُوصًا عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، كَمَا أَنَّ حُكْمًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ حُكْمٍ مُسْتَنْبَطٍ. فَصَارَ لِوُرُودِ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ مَزِيَّةً لَيْسَتْ لِلْقِيَاسِ الْأَصْلِيِّ، فَصَارَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْهُ.

وَأَمَّا إذَا وَرَدَ الْأَثَرُ الْمُخَصِّصُ لِلْقِيَاسِ مُعَلَّلًا، فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ. نَحْوُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ، وَإِنَّهَا مِنْ سَاكِنِي الْبُيُوتِ» .

وَاعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْفَأْرَةِ، وَالْحَيَّةِ، وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ سُؤْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، وَقَوْلَهُ: إنَّهَا مِنْ سَاكِنِي الْبُيُوتِ، يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى. وَإِنَّمَا وَجَبَ إجْرَاءُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَظَائِرِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّعْلِيلَ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ عِلَّةَ الْحُكْمِ، وَإِجْرَاءَهُ عَلَيْهِ، لَوْلَا ذَلِكَ مَا كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ. وَلَكَانَ يَكُونُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّ عِلَلَ الْعَقْلِيَّاتِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَيُفِيدُهُ، فَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ بِتَعْلِيلِ مَعْنًى، عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ مِنَّا اعْتِبَارُهُ فِي نَظَائِرِهِ، وَإِجْرَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ.

وَقَدْ قَالَ النَّظَّامُ وَهُوَ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ: إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَفْظِ الْعُمُومِ، يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ، وَلَمْ يُجْعَلْ وُجُوبُ إجْرَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، بَلْ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَى حُكْمِهِ. وَهَذَا عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، مُعْتَبَرًا بِهِ.

وَمَنْ لَا يَعْتَبِرُهُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَائِدَةَ التَّعْلِيلِ، وَيَجْعَلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي كَلَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>