فَأَجَابَ: بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَدَّ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَصْلٍ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَعْلُولٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ يَقُولُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، مَعْنَاهُ عِنْدِي: أَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَحْتَاجُ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ، أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ عَرْضِهَا عَلَى الْأُصُولِ، وَاعْتِبَارِهَا بِنَظَائِرِهَا مِنْهَا، حِينَ يَجِدُ أَصْلًا مَعْلُولًا لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا. بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَرْضُهَا عَلَى سَائِرِ الْأُصُولِ، وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَشْبَهِ مِنْهَا، حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ. أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرُ مَعْلُولٍ، فَلَا يَرُدَّ الْحَادِثَةَ إلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ الْأُصُولِ مَا قَدْ قَامَتْ دَلَالَتُهُ أَنَّهُ مَعْلُولٌ يَجِبُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، (إمَّا مِنْ جِهَةِ النَّصِّ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الِاتِّفَاقِ) ، أَوْ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ، فَمِمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِاتِّفَاقِ الْقَائِسِينَ: تَحْرِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّفَاضُلَ فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ، وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مَعْلُولٌ، بِمَعْنًى يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي أَغْيَارِهِ، وَحَمْلُ مَا سِوَاهُ عَلَيْهِ، مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي عِلَّتِهِ، وَدَلَالَةُ فَحْوَى الْخِطَابِ (بِهِ) ظَاهِرَةٌ فِي كَوْنِهِ مُعَلِّلًا لِقَوْلِهِ فِي سِيَاقِ اللَّفْظِ.
«فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» فَلَمَّا مَنَعَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِ فِيمَا ذُكِرَ وَأَبَاحَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَعْنًى مِنْ أَجْلِهِ وَقَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُعَلَّلٌ بِمَعْنًى يَجِبُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَاعْتِبَارُهُ فِي نَظَائِرِهِ، فَوَجَبَ حِينَئِذٍ طَلَبُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ عَلَمٌ لِلْحُكْمِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ.
وَنَحْوُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ» فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَعْنًى بِهِ تَعَلَّقَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، مِنْ أَجْلِهِ اخْتَلَفَ حُكْمُ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَوَجَبَ طَلَبُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ الْأُصُولِ مَا يَكُونُ مَعْلُولًا بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ «إنَّهَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute