قِيلَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْت، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] كَلَامٌ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ يَنْتَظِمُ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (وَ) إنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخِطَابِ فِي الْمُطَلَّقَاتِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ (حُكْمِ) الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ مَا انْتَظَمَهُ اللَّفْظُ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، اعْتَبَرَ جَمِيعُهُمْ وَضْعَ الْحَمْلِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: عِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: عِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، فَصَحَّ بِذَلِكَ اعْتِبَارُ عُمُومِ آيَةِ الْحَمْلِ فِي تَرْكِ الْقِيَاسِ فِيمَا وَصَفْنَا.
وَمِمَّا خَصُّوهُ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ وَتَرَكُوا فِيهِ حُكْمَ الْعِلَّةِ: قَوْلُهُمْ فِي الْأَكْلِ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ: إنَّ الْقِيَاسَ يَقْضِي، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْأَثَرِ.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّهُمْ وَجَدُوا سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا إذَا تُرِكَتْ عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ، أَوْ الْعَمْدِ.
أَلَا تَرَى: أَنَّ الْأَكْلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي حَالِ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ، وَالْحَلْقُ، وَاللُّبْسُ فِي الْإِحْرَامِ. وَكَمَا لَا تَخْتَلِفُ نِيَّةُ الصَّوْمِ فِي تَرْكِهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ شَهْرِ رَمَضَانَ، مِنْ حَيْثُ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ فُرُوضِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْأَثَرِ.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا: الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ، كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا وُضُوءَ فِيهَا، (كَمَا لَا وُضُوءَ فِيهَا) فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَدَثًا لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ نَقْضِ الطَّهَارَةِ فِي حَالِ وُجُودِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْأَثَرِ، إذْ لَا حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ الْأَثَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute