للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَظِيرُهُ أَيْضًا: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْوُضُوءُ بِهِ، لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ، كَنَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَشَرَابِ الْعَسَلِ، وَالْخَلِّ، وَالْمَرَقِ.

أَلَا تَرَى: أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِيهِ. وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لَوْ تَقَصَّيْنَاهَا لَطَالَ بِهَا الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا، وَإِنَّمَا نَذْكُرُ مِنْهَا أَمْثِلَةً تَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَا لَمْ نَذْكُرْ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ: فَنَظِيرُهُ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجِيزُوا الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ نَسَاءً، وَلَا الْحَدِيدَ بِالنُّحَاسِ، وَلَا شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَلَا الْمَوْزُونَ بِالْمَوْزُونِ، وَلَا الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ نَسَاءً.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا، نَحْوُ الثِّيَابِ الْمَرْوِيَّةِ بِالثِّيَابِ الْهَرَوِيَّةِ، فَصَارَ وُجُودُ أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ: عِلَّةً لِتَحْرِيمِ النَّسَاءِ.

وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عِلَّةً صَحِيحَةً فِي مَوْضِعِهَا، لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا.

وَلَيْسَ، هَذَا مَوْضِعُ بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِلَالِ، فَلَوْ لَزِمُوا سَبِيلَ الْقِيَاسِ وَمَا يَقْتَضِيه هَذَا الِاعْتِلَالُ، لَوَجَبَ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ، لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّحْرِيمِ فِي نَظَائِرِهَا. إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ وَأَجَازُوهُ، إذْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ هُمَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا بِيَاعَاتِ النَّاسِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ النَّسَاءِ فِيهَا بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ.

وَمِنْ نَظَائِرِهِ أَيْضًا: مَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ (لِلْمَاءِ تُوجِبُ الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ، فَقَالُوا فِي الْإِنَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ: إنَّ الْمَاءَ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ النَّجَاسَةِ) ، لِمُلَاقَاتِهِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَلَا لَوْنُهُ، وَلَا رَائِحَتُهُ، فَلَوْ لَزِمُوا طَرِيقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>