ذَلِكَ بِآرَائِنَا، وَفِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، ثُمَّ أُخْبِرَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مُوَافِقَةً لِرَأْيِهِ، فَسُرَّ بِهِ سُرُورًا شَدِيدًا. وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ أَرَادَ أَنْ يَرْجُمَ مَجْنُونَةً حَتَّى أَخْبَرَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . فَتَرَكَ رَأْيَهُ إلَى خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَرْجُمَ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ التَّزْوِيجِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] . فَجَعَلَ الْحَمْلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَرَجَعَ عُمَرُ إلَى دَلِيلِ الْكِتَابِ، وَتَرَكَ رَأْيَهُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُبِيحُ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَالصَّرْفِ، حَتَّى جَاءَتْهُ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِتَحْرِيمِهَا، فَنَزَلَ عَنْ قَوْلِهِ بِهِمَا، وَصَارَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ لِمَنْ عَلِمَ جُمَلَ الْأُصُولِ، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا الْبَعْضُ، بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُجُوهِ الْمَقَايِيسِ وَالِاسْتِدْلَالَات الْفِقْهِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِاجْتِهَادُ حَتَّى يَعْلَمَ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ فِي الْبَابِ الَّذِي مِنْهُ الْحَادِثَةُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، فَحَتَّى يَعْلَمَ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي الرِّبَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبُيُوعِ فَكَذَلِكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ الْمُجْتَهِدَ حَصْرُ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، وَالْإِحَاطَةِ بِهَا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ إذَا أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمَا رُوِيَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ مَا شَذَّ عَنْهُ، مِمَّا رُوِيَ فِي سَائِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute