الْأَبْوَابِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الْحَادِثَةِ فِي شَيْءٍ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا فِي هَذَا الْبَابِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ جُمِعَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ جَمِيعُ مَا رُوِيَ مِنْ السُّنَنِ فِي الْبَابِ الَّذِي مِنْهُ الْحَادِثَةُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْإِحَاطَةُ بِهَا. وَمِنْ بَعْدِهِمْ قَدْ حَصَّلُوا ذَلِكَ، وَجَمَعُوهُ، فَقَرُبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مُتَنَاوَلُهُ، وَسَهُلَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ السُّقُوطِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ جَوَّزَتْ الِاجْتِهَادَ لِمَنْ كَانَ حَالُهُ مَا وَصَفْنَا، مِنْ فَقْدِ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْأُصُولِ، وَلَمْ يُفَرَّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ الَّذِي فِيهِ الْحَادِثَةُ، فَقَدْ حُفِظَ وَجُمِعَ، فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرْت، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطُ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ مَا ذَكَرْت، كَانَتْ الصَّحَابَةُ أَوْلَى بِطَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَمْعِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَقْدَرَ عَلَى جَمْعِ مَا رُوِيَ فِيهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، إذْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ بِالْمَدِينَةِ، لَمَّا كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُ عَنْ حُكْمِ الْحَادِثَةِ هَلْ فِيهَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهَا عِنْدَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ، حَكَمَ فِيهَا بِرَأْيِهِ بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ بِهَا إلَى مَنْ بِسَائِرِ الْأَمْصَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْهَا، فَإِذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ لَوْ أَرَادَتْ ذَلِكَ كَانَتْ عَلَيْهِ أَقْدَرَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهَا أَقْرَبَ مُتَنَاوَلًا، وَأَسْهَلَ مَأْخَذًا، ثُمَّ (لَمْ يَفْعَلُوهُ وَاجْتَهَدُوا) مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ.
عَلِمْنَا أَنَّ شَرْطَهُ لَيْسَ مِمَّا ذَكَرْتَ، وَأَنَّهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ حَفِظَ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ، لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَإِنْ أَكْثَرَ سَمَاعُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ (لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ) الْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ مِنْ الْفِقْهِ. أَلَا تَرَى: أَنَّك مَتَى نَظَرْتَ فِي مُصَنَّفَاتِ النَّاسِ فِي أَخْبَارِ الْفِقْهِ، وَمَا جَمَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَدْتَ فِي كِتَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا لَا تَجِدُهُ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ الْإِنْسَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute