للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إصَابَةَ الْأَشْبَهِ بِعَيْنِهِ، لَمْ تَكُنْ السَّلَامَةُ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ يَضِلُّ تَارِكُهُ، وَيَأْثَمُ الْعَادِلُ عَنْهُ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ مَتَى كَانَ لِلْحَادِثَةِ وَجْهَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْحُكْمِ، كَانَ ذَلِكَ أَسْهَلَ وَأَوْسَعَ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ إصَابَةَ الْأَشْبَهِ (وَلَا الْوُصُولَ) إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، إذْ لَمْ يَنْصِبْ لَهُمْ دَلِيلًا دُونَ غَيْرِهِ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ الَّذِي تَعَبَّدَهُمْ بِهِ هُوَ (مَا) كَانَ فِي اجْتِهَادِهِمْ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، دُونَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ (هُوَ) الْأَشْبَهُ.

وَلَنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ. فَأَمَّا دَلِيلُهُ مِنْ الْكِتَابِ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: ٥] رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، حِينَ غَزَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَرَقَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ نَخْلَهُمْ إرَادَةً مِنْهُ لِغَيْظِهِمْ، وَتَرَكَهَا بَعْضٌ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنَا أَنْ يُغْنِمَنَاهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْوِيبَ الْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: ٥] فَكَانُوا مُجْتَهِدِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمَا، إذْ كَانَ ذَلِكَ مَبْلَغُ اجْتِهَادِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>