للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ حَقِيقَةَ النَّظِيرِ، أَمْ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِإِمْضَاءِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ النَّظِيرِ (وَالرَّأْيِ) وَاَلَّذِي هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ حَتَّى يَعْلَمَ حَقِيقَةَ النَّظِيرِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ السَّلَفُ عَالِمِينَ بِخَطَأِ الْمُخْطِئِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ حَاكِمٌ بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ بَيَّنَّا (فَسَادَ) ذَلِكَ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِاجْتِهَادِهِ إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، مَعَ فَقْدِ عِلْمِهِ بِإِصَابَةِ الْمَطْلُوبِ. وَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ أَصَابَ حَقِيقَةَ النَّظِيرِ أَوْ أَخْطَأَهَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخَطَأِ. فَثَبَتَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَأْمُورًا بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ أَنَّهُ مُصِيبٌ لِمَا كُلِّفَهُ مِنْ الْحُكْمِ. وَكَمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِإِمْضَاءِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ إذَا تَحَرَّى مُحَاذَاةَ الْكَعْبَةِ كَانَ مُصِيبًا لِمَا كُلِّفَ. وَكَمَا أَنَّ الرَّامِيَ لِلْكَافِرِ لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِإِرْسَالِ سَهْمِهِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ كَانَ مَأْمُورًا لِمَا كُلِّفَ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْفَصْلُ بَيْنَ التَّحَرِّي لِلْكَعْبَةِ، وَالرَّمْيِ، وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْحَوَادِثِ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ تَرْكُ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا فِي حَالِ الْعُذْرِ، وَلَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَنَحْوُهَا تَرْكُ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>