للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ دَسِيسًا مِنْ قَبِيلِ قُرَيْشٍ، ضَمِنُوا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَالًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُنُوتِهِ حِينَ بَلَغَهُ خَبَرُهُمْ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ حَالِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْغَيْبَ فِي ضَمِيرِهِمْ، وَمَا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ الْعُذْرِ، فَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْطِئًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِغَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ حَالِهِمْ. وَكَذَلِكَ قِصَّةُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَقِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ حِينَ اسْتَاقُوا الْإِبِلَ وَارْتَدُّوا. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَلَّفًا فِيهِ لِلْحُكْمِ الظَّاهِرِ، دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مُخْطِئًا عِنْدَ وُقُوعِ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ تَقْدِيرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا كُلِّفَ فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَمْ يُكَلَّفْ الْمَغِيبَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى عِلْمِ الْغَيْبِ، وَالْمُجْتَهِدُ قَدْ جُعِلَ لَهُ سَبِيلٌ إلَى عِلْمِ حَقِيقَةِ الْمَطْلُوبِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ قَدْ جُعِلَ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْمَطْلُوبِ بِإِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، لَعَلِمَهُ مَنْ اجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي طَلَبِهِ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُخْطِئُهُ عَاصِيًا، وَلَأَنْكَرَتْ الصَّحَابَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمْ فِي حَوَادِثِ الْفُتْيَا، وَلَمَا أَجَازُوا خَطَأَ الْمُخْطِئِ عَلَى سَبِيلِ مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ احْتَسَبُوا الْمُخْطِئَ مَعْذُورًا بِاجْتِهَادِهِ فِي خَطَئِهِ. فَكَفَّ عُذْرَ مَنْ عَرَفَ خَطَأَهُ، ثُمَّ أَجَازَ حُكْمَهُ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ مَوْضِعُ الْعُذْرِ مَعَ وُقُوعِ (الْعِلْمِ) بِالْخَطَأِ. وَمِمَّا يَزِيدُ مَا قَدَّمْنَا فِي ذَلِكَ وُضُوحًا وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ، وَإِنَّمَا لَمَّا نَذْكُرُ مَعَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِإِمْضَاءِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، وَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>