للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مَتَى اخْتَلَفْنَا فِي مُسَاوَاةِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ فِي الْقِصَاصِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ قَدْ حَصَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ حَيْثُ هُمَا جِسْمَانِ وَمُحْدَثَانِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي تَكْلِيفِ الْإِيمَانِ وَالْفَرَائِضِ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَسَاوَيَا فِيهَا.

فَصَارَ تَقْدِيرُ اللَّفْظِ لَا يَسْتَوِيَانِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ (الْبَعْضُ) مِنْ أَنْ يُحَصِّلَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ، وَدَلَالَةُ الْحَالِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْمَعْنَى مَعْلُومًا ظَاهِرَةٌ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ} [الحشر: ٢٠] . فَإِنَّمَا نَفَى الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: ١٩] مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُسَاوَاةَ فِي مَعْنَى الْبَصَرِ (وَإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ بِهِ فَشَبَّهَ الْكَافِرَ بِالْأَعْمَى وَالْمُؤْمِنَ بِالْبَصِيرِ) فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ الَّذِينَ لَا يَرْجِعُونَ إلَى تَحْصِيلٍ فِيمَا يَقُولُونَ (يَحْتَجُّونَ) بِهَذَا وَأَشْبَاهِهِ، إمَّا جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَوَاضِعِ الِاحْتِجَاجِ، وَإِمَّا قِلَّةَ دِينٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>