وَالثَّانِي: تَجْوِيزُهُ أَنْ يَتَعَبَّدَنَا بِالْكَذِبِ، ثُمَّ إنَّهُ بَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي أَصَّلَهُ فِي التَّجْوِيزِ وُجُودَ مَا ادَّعَاهُ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فِي زَعْمِهِ، وَاحْتَجَّ فِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إلَيْك وَحْيُهُ} [طه: ١١٤] قَالَ: وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تِلَاوَتُهُ. وَالْآخَرُ: بَيَانُهُ. قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: (أَنَّهُ) إنْ سَلِمَ لَهُ مَا (قَدْ) ادَّعَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ مِنْ أَنَّ وَحْيَهُ بَيَانُهُ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْتَضِي الْبَيَانَ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَأَمَّا اللَّفْظُ الْمُكَتَّفِي بِنَفْسِهِ عَنْ الْبَيَانِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْعَجَلَةِ (بِهِ) قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِهِ لِأَنَّ بَيَانَ الْقَوْلِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ وَبُلُوغُ آخِرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعَلَّقُ تَارَةً بِشَرْطٍ (وَ) يُوصَلُ بِاسْتِثْنَاءِ وَبِلَفْظِ التَّخْصِيصِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فِيمَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ مُوَافِقًا لِمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إلَيْك بَيَانُهُ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ. وَيُقَالُ لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا: مَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: ١١٤] عِنْدَك؟ أَرَادَ بِهِ أَنْ (لَا) يَتْلُوَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ (لَا) يَعْتَقِدَ حُكْمَهُ عَلَى مَا وَرَدَ حَتَّى نُبَيِّنَ لَك مَعْنَاهُ. فَإِنْ قَالَ: أَرَادَ التِّلَاوَةَ. قِيلَ لَهُ: فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ التِّلَاوَةُ إذَا حَصَلَ الْفَرَاغُ مِنْهُ بِانْقِطَاعِ الْكَلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute