فَإِنْ قَالَ: أَرَادَ (أَنْ) لَا يَعْتَقِدَهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ فَإِنَّ هَذَا يُمْنَعُ (مِنْ) اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ.
وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ مَنْ يَقِفُ فِي الْعُمُومِ وَأَنْتَ تَقُولُ إنِّي أَعْتَقِدُ الْعُمُومَ فِيهِ مَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهُ، فَقَدْ خَالَفْت قَوْلَهُ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: ١١٤] عَلَى مَعْنَاهُ عِنْدَك، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُمُومَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ بَيَانِ جَمِيعِهِ يَجُوزُ عِنْدَك. وَكُلَّمَا بُيِّنَ لَهُ شَيْءٌ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيَانٌ آخَرُ وَالْبَيَانُ نَفْسُهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا أَيْضًا عَلَى بَيَانٍ آخَرَ، وَهَذَا فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا: بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٧] {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَيُقَالُ لَهُ: مَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَالْقَوْلُ الْمُكَتَّفِي بِنَفْسِهِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْبَيَانِ. فَمَا الدَّلَالَةُ فِي الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ (كَوْنِهِ) بَيَانًا حَتَّى يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ.
وَأَيْضًا: مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بَيَانَ جَمِيعِ مَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَيْضًا مُفْتَقِرًا إلَى بَيَانٍ. وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ الْمُجْمَلُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَسَقَطَ اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الظَّاهِرِ. وَأَيْضًا: فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا مَعَ وُرُودِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ بَعْضِ الْقُرْآنِ صَارَ تَقْدِيرُهَا (ثُمَّ) إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ بَعْضِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى عَلَى مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ بَيَانَهُ.
وَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا: لَمَّا كَانَ (تَأْخِيرُ) بَيَانِ الْجُمْلَةِ جَازَ مِثْلُهُ فِي الْعُمُومِ وَلَا فَرْقَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute