أَصْحَابُنَا فِي قَبُولِ خَبَرِ الْآحَادِ: أَنْ لَا يَكُونَ وُرُودُهُ فِيمَا بِالنَّاسِ إلَيْهِ
حَاجَةٌ عَامَّةٌ
، لِأَنَّ مَا كَانَ بِهِمْ إلَيْهِ حَاجَةٌ عَامَّةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّبِيِّ تَوَقُّفٌ لِلْكَافَّةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ فَعَلَ لَمَا جَازَ وُقُوعُ الْكِتْمَانِ مِنْهُمْ فِي مِثْلِهِ، وَتَرْكُ نَقْلِهِ مَعَ تَدَيُّنِهِمْ بِوُجُوبِ نَقْلِهِ، وَمَا يَرْجُونَ مِنْ الثَّوَابِ وَالْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِذَاعَتِهِ وَنَشْرِهِ.
فَأَمَّا مَا قُلْنَا: مِنْ تَصْدِيقِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُخْبِرٍ فِي خَبَرِهِ - فَيُوجِبُ لَنَا ذَلِكَ عِلْمًا بِصِدْقِهِ: فَنَحْوُ مَا رُوِيَ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لِرَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا انْصَرَفَ: لَا جُمُعَةَ لَك. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ سَعْدًا قَالَ لِي: لَا جُمُعَةَ لَك. فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِمَ يَا سَعْدٌ؟ قَالَ: إنَّهُ تَكَلَّمَ وَأَنْتَ تَخْطُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ سَعْدٌ» .
وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْطُبُ وَقَرَأَ آيَةً: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أُبَيٌّ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك الْيَوْمَ إلَّا مَا لَغَوْت، فَذَكَرَ الرَّجُلُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ: صَدَقَ أُبَيٌّ» فَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَيْنِ الْمُخْبِرَيْنِ بِمَا أَخْبَرَا بِهِ لَكَانَ ظَاهِرُ خَبَرِهِمَا يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ مُخْبَرِهِ، فَلَمَّا صَدَّقَهُمَا وَقَعَ لِسَامِعِهِ عِلْمُ الْيَقِينِ بِصِدْقِهِمَا فِيمَا أَخْبَرَا بِهِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا نُزُولُ الْقُرْآنِ بِتَصْدِيقِ مُخْبِرٍ فِي خَبَرِهِ، نَحْوُ مَا رُوِيَ: أَنَّ «زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute