- عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنَ سَلُولَ قَدْ دَفَعَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ كَلَامًا، قَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ وَحَلَفَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ مَا قَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: إنَّ اللَّهَ صَدَّقَك» أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ.
وَأَمَّا: إخْبَارُ مَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ يُحِيلُهُ عَلَى قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ بِحَضْرَةِ جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ فَيَبْلُغُ ذَلِكَ الْجَمَاعَةَ فَلَا تُنْكِرُهُ، أَوْ يَذْكُرُهُ لِحَضْرَتِهَا فَلَا تَكْرَهُ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ: فَنَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَسِيَرِهِ، وَسُنَنِهِ وَأَحْكَامِهِ، مِمَّا لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ بِهِ كَانَتْ شَائِعَةً مُسْتَفِيضَةً، يُحِيلُونَهَا عَلَى مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَاتِ الْعَظِيمَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِذَلِكَ الْإِخْبَارِ بِهِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعَادَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ تَسْلِيمُ مِثْلِهِ، وَتَرْكُ النَّكِيرِ عَلَى قَائِلِهِ، إذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِحَقِيقَتِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَكَمَا لَا يَجُوزُ مِنْهَا: الْإِخْبَارُ بِالْكَذِبِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْهَا: الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ، لِأَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي مَنَعَتْ وُقُوعَ الْإِخْبَارِ مِنْهَا بِشَيْءٍ لَا أَصْلَ لَهُ - هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ إقْرَارِهَا مَنْ يَدَّعِي مُشَاهَدَةَ أَمْرٍ لَا يَفْقَهُونَهُ عَلَى دَعْوَاهُ وَخَبَرِهِ، وَالْعِلْمُ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْوَجْهِ اكْتِسَابٌ لَيْسَ بِضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا وَصَفْنَا.
وَأَمَّا: مَا ذَكَرْنَا مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا سَاعَدَهُ الْإِجْمَاعُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَمُوجِبًا لِلْعِلْمِ بِمُخْبَرِهِ - فَإِنَّهُ نَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» إنَّمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ، وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute