عَلَيْهِمْ فِي قَطْعِ عَادَاتِهِمْ عَنْهَا.
وَذُكِرَ فِي قَبُولِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ فِي «تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» : أَنَّهُ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَكَانَ صَغِيرًا فِي عَهْدِ عُمَرَ. وَمَعَ ذَلِكَ إنَّ الضَّحَّاكَ ذَكَرَ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ فِي رَجُلٍ مَعْرُوفٍ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ وَاحِدٍ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ اسْتَدَلَّ عُمَرُ بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا كَوْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ صَغِيرًا فِي عَهْدِ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ رِوَايَتِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي رِوَايَةِ الْأَحْدَاثِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ يَقُولُ هَذَا إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ مَحَلَّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُسَمَّى رَاوِيَةَ عُمَرَ، وَكَانَ يُقَالُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِقَضَايَا عُمَرَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعَلَى أَنَّ عَامَّةَ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمَصِيرِ إلَى حُكْمِهِ. فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الضَّحَّاكَ حَكَى لِعُمَرَ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ فِي رَجُلٍ مَعْرُوفٍ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ فِيهِمْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا عِنْدَ عُمَرَ وَقْتَ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ لِذَلِكَ، إنَّمَا كَانُوا فِي قَبَائِلِهِمْ وَدِيَارِهِمْ، وَالضَّحَّاكُ إنَّمَا ذَكَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَكَانَ غَائِبًا عَنْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا مَعْنَى إذًا لِاعْتِبَارِ شُهْرَةِ الْقِصَّةِ، وَتَرْكِ النَّكِيرِ مِمَّنْ كَانَتْ فِيهِمْ عَلَى رَاوِي الْخَبَرِ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَهْلَهَا الَّذِينَ كَانَتْ الْقِصَّةُ فِيهِمْ كَانُوا حَضَرُوا عِنْدَهُ وَقْتَ رِوَايَتِهِ.
وَذُكِرَ فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ: أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْضِ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ وُلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَحْرَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا تَظَنِّي وَحُسْبَانٌ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَا بِرِوَايَتِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَ: أَنَّ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَخْبَارِ إلَّا بِرِوَايَةٍ، وَذَكَرَ: أَنَّ رُجُوعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْحَائِضَ تَنْفِرُ قَبْلَ طَوَافِ الصَّدْرِ، حِينَ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ: أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا، وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأُمَّ سَلَمَةَ قَدْ أَخْبَرَاهُ جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ أَفْسَدْنَا عَلَيْهِ هَذَا الِاعْتِبَارَ. وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute