قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّمَا مَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ لِنَصِّ الْكِتَابِ (لَا) يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمُقْتَضَاهُ. وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ الْقَوْلِ: مِنْ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ وَنَسْخِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ، حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: فِي إسْقَاطِ سُكْنَى الْمَبْتُوتَةِ وَنَفَقَتِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَمَا رُوِيَ: أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَأَى رَبَّهُ " يَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ. يَرُدُّهُ آيَةُ الرِّبَا، وَحَدِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَشَطْرُ مَالِهِ.
وَحَدِيثُ: أَخْذُ الثَّمَرَةِ مِنْ أَكْمَامِهَا: أَنَّهُ يَعْنِي يَغْرَمُهَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ. هَذِهِ الْأَخْبَارُ تَرُدُّهَا آيَةُ الرِّبَا.
وَكَذَلِكَ مُعَارَضَةُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ إيَّاهُ، عِلَّةٌ تَرُدُّ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ تُوجِبُ الْعِلْمَ، كَنَصِّ الْكِتَابِ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ فِيمَا تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ: فَإِنَّمَا كَانَ عِلَّةً لِرَدِّهِ مِنْ تَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَافَّةَ عَلَى حُكْمِهِ، فِيمَا كَانَ فِيهِ إيجَابٌ أَوْ حَظْرٌ نَعْلَمُهُ، بِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى عِلْمِهِ إلَّا بِتَوْقِيفِهِ، وَإِذَا أَشَاعَهُ فِي الْكَافَّةِ وَرَدَ نَقْلُهُ بِحَسَبِ اسْتِفَاضَتِهِ فِيهِمْ. فَإِذَا لَمْ نَجِدْهُ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute