للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمْنَا: أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ: أَنْ يَخْتَصَّ بِنَقْلِهِ الْأَفْرَادُ دُونَ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي أَهْلِ مِصْرٍ إذَا طَلَبُوا الْهِلَالَ، وَلَا عِلَّةَ بِالسَّمَاءِ: إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي رُؤْيَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا أَخْبَرَ بِهِ (صَحِيحًا) لَمَا جَازَ أَنْ يَخْتَصَّ هُوَ بِرُؤْيَتِهِ دُونَ الْكَافَّةِ. وَلَوْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَجَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ قُبِلَ خَبَرُهُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ عَنْ فِتْنَةٍ وَقَعَتْ فِي الْجَامِعِ تَفَانَى فِيهَا الْخَلْقُ، لَمْ يَجُزْ قَبُولُ خَبَرِهِ دُونَ نَقْلِ الْكَافَّةِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ: إنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُخْبِرْهُ غَيْرُهُ بِذَلِكَ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ خَلْفَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى خَبَرِهِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ صَلَّى بِآخَرَ فَلَمَّا سَلَّمَا، قَالَ لَهُ: سَهَوْت: وَإِنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً، كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ خَبَرِهِ، إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ: أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ.

وَمِمَّا وَرَدَ خَاصًّا مِمَّا سَبِيلُهُ أَنْ تَعْرِفَهُ الْكَافَّةُ: مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ قَالَ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» .

فَهَذَا الْخَبَرُ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ اقْتَضَى بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ إلَّا مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِهَا - تَعْرِفُهُ الْكَافَّةُ، كَمَا عُرِفَتْ سَائِرُ فُرُوضِهَا، لِعُمُومِ الْحَاجَةِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.

وَكَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» . وَنَحْوُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَمِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ، وَالْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَمَا رُوِيَ فِي الْجَهْرِ: بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ ثَابِتَةً لَنَقَلَهَا الْكَافَّةُ.

وَمِثْلُهُ: حَدِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ، لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي قَوْلِهِ: «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ حَتَّى سَأَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ لَهُمَا: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَا: نَعَمْ» ، لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَخْتَصَّ هُوَ بِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ: سَهَوْت، وَإِنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ مَعَ جَمَاعَةٍ غَيْرَهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْحَيْضُ مِمَّا تَعُمُّ بَلْوَى النِّسَاءِ بِهِ، وَلَمْ يَرِدْ النَّقْلُ مُسْتَفِيضًا بِمِقْدَارِهِ.

قِيلَ لَهُ: قَدْ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ: بِأَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَأَقَلُّ مَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>