وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] فَإِذَا عَلِمْنَاهُ فَعَلَ فِعْلًا عَلَى الْوُجُوبِ قُلْنَا: التَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا بِوُقُوفِنَا عَلَى جِهَةِ فِعْلِهِ، أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَهُ - لَمَا جَازَ لَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ، عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ، لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ - لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ مَا عَلِمْنَا مِنْ أَفْعَالِهِ: أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ.
قُلْنَا: فَعَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ صَارَ نَدْبًا لَمَا جَازَ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، وَالتَّأَسِّي بِهِ أَنْ يُفْعَلَ مِثْلُ فِعْلِهِ، وَفِي حُكْمِهِ سَوَاءٌ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ فِعْلُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّأَسِّي بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا وَصَفْنَا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ عَقَلُوا فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ وَسَائِرَ أُمَّتِهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، إلَّا مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَفْرَدَهُ بِحُكْمِهِ، دُونَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا عَقَلُوا: أَنَّ أَهْلَ سَائِرِ الْأَعْصَارِ بَعْدَ النَّبِيِّ فِي حُكْمِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَكَمَا عَقَلُوا: أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مِنْ حُكْمٍ، جَارٍ فِي سَائِرِ الْأُمَّةِ.
فَإِنْ كَانَ حُكْمًا مُبْتَدَأً فَالْجَمِيعُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِسَبَبٍ فَبِحُدُوثِ (السَّبَبِ) .
فَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ وَالْمَفْهُومِ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَافَقُوا عَلَى نَقْلِ أَحْكَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَحْكُومِ بِهَا فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ، إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّهُمْ عَقَلُوا أَنَّهَا أَحْكَامٌ جَارِيَةٌ فِي جَمِيعِهِمْ، إلَّا مَنْ خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: ٣٧] فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِيَكُونَ حُكْمًا جَارِيًا فِي أُمَّتِهِ، وَنَبَّهْنَا بِهِ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأُمَّتَهُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ سَوَاءٌ، إلَّا مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ: مِنْ نَحْوِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٠] إلَى قَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute