وَالْحَسَنُ، فِي آخَرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ يُفْتُونَ مَعَ الصَّحَابَةِ، وَيُخَالِفُونَهُمْ، وَيُسَوِّغُ الصَّحَابَةُ لَهُمْ ذَلِكَ، كَمَا سَوَّغُوا خِلَافَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا: أَنْ لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ بِانْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّ هُنَاكَ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِمْ، وَفِي مِثْلِ حَالِهِمْ فِي جَوَازِ إعْرَاضِهِ بِالْخِلَافِ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَالُوهُ.
فَإِنْ كَانَ (ذَلِكَ) كَذَلِكَ، فَوَاجِبٌ أَلَّا يَصِحَّ (ذَلِكَ) الْإِجْمَاعُ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَدْ يُلْحَقُ بِهِمْ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ مَنْ يُخَالِفُ، عَلَيْهِمْ وَيُعْتَدُّ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْصَارِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى بُطْلَانِ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ عِنْدَنَا حُجَّةُ الْإِجْمَاعِ بِمَا قَدَّمْنَا، عَلِمْنَا: أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ فِي كُلِّ حِينٍ وَزَمَانٍ، انْقَرَضَ أَهْلُ الْعَصْرِ، أَوْ لَمْ يَنْقَرِضُوا، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ: أَنْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَأَيْضًا: فَلَمَّا ثَبَتَ: أَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ وَدَلِيلٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَحَيْثُمَا وُجِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ ثَابِتًا فِي جِهَةِ الدَّلَالَةِ، وَوُجُوبِ الْحُجَّةِ، لِأَنَّ حُجَجَ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلَائِلَهُ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِالْأَزْمَانِ وَالْأَوْقَاتِ: كَنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَمَّا كَانَا حُجَّةً لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُمَا فِيمَا لَا يُوجِبَانِهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعُهُمْ صَحِيحًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ: لَمَا أَمِنَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ خَطَأً وَضَلَالًا، وَقَدْ أَمِنَّا وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] وقَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] وَسَائِرِ الْآيِ الْمُوجِبَةِ لِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute