للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالٍ» وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ الْمُوجِبَةِ لِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ وَقْتٍ عَنْ وَقْتٍ، وَلَوْ جَازَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى خَطَأٍ قَبْلَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ - لَجَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا مَعَ انْقِرَاضِهِمْ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ خَالَفَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ فِي التَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّهُ قَالَ) : (أَجْمَعَ رَأْيِ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ، ثُمَّ رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ.

قِيلَ لَهُ: أَمَّا التَّسْوِيَةُ فِي الْعَطَاءِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا إجْمَاعٌ قَطُّ، لِأَنَّ عُمَرَ قَدْ خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَقَالَ لَهُ: أَتَجْعَلُ مَنْ لَا سَابِقَةَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَذِي السَّابِقَةِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ إجْمَاعٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ.

وَأَمَّا بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ (وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت: أَنْ أَرِقَّهُنَّ) ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: (رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ دَلِيلٌ أَنَّهُ) رَأَى جَوَازَ بَيْعِهِنَّ، لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ رَقِيقًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، مِثْلُ الرَّهْنِ، وَالْمُسْتَأْجَرَة، وَهِيَ عِنْدَنَا رَقِيقٌ، وَلَا نَرَى بَيْعَهَا.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا أَفَادَ بِقَوْلِهِ: رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ: أَنَّ لِلْمَوْلَى وَطْأَهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَأَخْذَ أَكْسَابِهَا، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَرِقَّاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت: أَنْ أَبِيعَهُنَّ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ: رَأَيْت أَنْ أَبِيعَهُنَّ: إنَّمَا هُوَ لَفْظُ الرَّاوِي، حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَهُ، لَمَّا ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ (أَنْ) أَرِقَّهُنَّ: يُوجِبُ جَوَازَ بَيْعِهِنَّ.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ جَائِزٌ لَهُمْ خِلَافُهُمْ، فَهَلَّا جَوَّزْت لَهُمْ الْخِلَافَ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِمْ إيَّاهُمْ؟ ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>