للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ مَشْكُوكًا فِيهِ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا يُوجِبُ أَنْ (لَا) يَخْتَلِفَ فِي ذَلِكَ خَبَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُ خَبَرِهِ، إذَا لَمْ تُرَاعَ صِحَّتُهُ فِي انْضِمَامِهِ إلَى دَلَائِلِ الْعُقُولِ. وَإِنْ كَانَ شَرْطُ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَصِدْقًا، فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ مِنْ فَسَادِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، فَيَحْتَاجُ أَوَّلًا أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ فَسَادِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، فَقَدْ أُوجِبَ اسْتِعْمَالُ دَلَالَةِ الْعَقْلِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى الْعَقْلُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ عَنْ خَبَرٍ يُضَادُّهُ، فَتَنَاقَضَ قَوْلُك، وَظَهَرَ تَجَاهُلُك.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِالِاسْتِدْلَالِ مِنْ جِهَةِ الْعُقُولِ فِي الْآيِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، عَلَى مَا كَلَّفَنَا الْعِلْمُ بِهِ، مِنْ غَيْرِ شَرْطِ انْضِمَامِ خَبَرٍ إلَيْهِ.

وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى التَّوْحِيدِ قَبْلَ أَنْ جَاءَهُ الْوَحْيُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦] إلَى قَوْله تَعَالَى: {إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} [الأنعام: ٧٩] ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ مُكَلَّفٍ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: ٨٣] إلَى قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠] فَأَمَرَنَا بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّوْحِيدِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَسْت أَقُولُ: إنَّ الْخَبَرَ وَالْعَقْلَ مَعًا يُحْدِثَانِ لِي الْعِلْمَ بِمُوجِبَاتِ أَحْكَامِ الْعُقُولِ عِنْدَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَلَكِنِّي أَقُولُ: إنَّ الْخَبَرَ يُنَبِّهُ عَلَى النَّظَرِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ دَلَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَوْلَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لِي سَبِيلٌ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا.

قِيلَ لَهُ: فَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّنَبُّهُ عَلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، شَرْطُهُ عِنْدَك أَنْ يَكُونَ صِدْقُهُ مَعْلُومًا، أَوْ جَائِزًا، لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ وَصِدْقُهُ. وَأَيُّ خَبَرٍ كَانَ وَقَعَ بِهِ التَّنَبُّهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>