فَيَقُولُونَ: يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ، يَا هَادِيَ الْمُضَلِّينَ.
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: ٥٤] يَعْنِي يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ النَّاسُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ دَلَّنَا عَلَى نَفْسِهِ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ. فَيُقَيِّدُونَ اسْمَ الدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، إذَا وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ (بِهِ) . الْمُنَجِّي وَالْمُبَيِّنُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ، لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الدَّلِيلِ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَقَدْ يَقُولُ النَّاسُ لِلْأَعْلَامِ الْمَنْصُوبَةِ لِمَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ - نَحْوُ الْأَمْيَالِ الْمَبْنِيَّةِ فِي الْبَادِيَةِ -: إنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى الطَّرِيقِ. وَلَا يُسَمُّونَ الَّذِي بَنَاهَا هُنَاكَ دَلِيلًا، وَإِنَّمَا يُسَمُّونَ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُتَأَمِّلُ لَهَا دَلِيلًا، دُونَ الْوَاضِعِ لَهَا. وَيَدُلُّ عَلَى (صِحَّةِ) مَا ذَكَرْنَا: أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِي: كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الدَّلَالَةَ، وَالْأَعْلَامُ الْمَنْصُوبَةُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَيَقُولُ السَّائِلُ لِلْمُجِيبِ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِك؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: مَنْ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِك؟ فَثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا: أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الَّذِي يُوصِلُ الْمُتَأَمِّلَ لَهُ وَالنَّاظِرَ فِيهِ إلَى الْعِلْمِ بِالْمَدْلُولِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ: أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ عِلْمُك بِالشَّيْءِ وَوُجُودُك لَهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى كَذَا؟ جَازَ أَنْ يُقَالَ عِلْمِي بِكَذَا، وَوُجُودِي لِكَذَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ وَصْفِ الدَّلِيلِ شَيْءٌ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا، وَلَا أَضْعَفُ، لِأَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى حَدَثِ الْأَجْسَامِ؟ لَمْ يَصِحَّ (أَنْ يَقُولَ) : عِلْمِي بِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الْحَوَادِثِ. بَلْ يَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَى حَدَثِهَا أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الْحَوَادِثِ. وَيُوجِبُ هَذَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمَحْسُوسَاتُ مَعْلُومَةً مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، لِعِلْمِنَا بِهَا وَوُجُودِنَا إيَّاهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ (هَذَا) الْقَائِلِ هُوَ الدَّلِيلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute