الاختلاف في المذهب والاتفاق في التسمي باسم واحد إما باعتبار الاعتقاد أو باعتبار أمر آخر كأهل المذاهب الأربعة فإنهم اختلفوا في المذاهب مع اتفاقهم على أنهم أهل السنة واشتراك غالبهم في اعتقاد قول الأشعري فإن دائرة الأهوية حينئذ تتسع ومحبة العصبية تكثر كما تراه كثيرا في تراجم بعضهم لبعض خصوصا فيما بين الحنابلة ومن عداهم من أهل المذاهب الأربعة وكذلك فيما بين الحنفية ومن عداهم ومن نظر في ذلك بعين الإنصاف علم بالصواب
دع عنك ما يقع مع الاختلاف في المذاهب والمعتقدات فإنه يبلغ الأمر إلى عداوة فوق عداوة أهل الملل المختلفة
فطالب بالإنصاف لا يلتفت إلى شيء مما يقع من الجرح والتعديل بالمذاهب والنحل فيقبلون جميعا إلا أن يكون ما جاء به المتذهب مقويا لبدعته أو كان على مذهب لا يرى بالكذب فيه بأسا كما هو عند غلاة الرافضة وأما ما عدى الجرح والتعديل بالمذاهب والمعتقدات فإن كان المتكلم في ذلك بريئا عن المتذهب والتعصب كما يروى عن السلف قبل انتشار المذاهب فاحرص عليه واعمل به على اعتبار صحة الرواية وصدوره في الواقع وأما باعتبار كونه جارحا أو غير جارح فذلك مفوض إلى نظر المجتهد
والذي ينبغي التعويل عليه أن القادح إن كان يرجع إلى أمر يتعلق بالرواية كالكذب فيها وضعت الحفظ والمجازفة فهذا هو القادح المعتبر وإن كان يرجع إلى شيء آخر فلا اعتداد به وإن كان المتكلم متلبسا بشيء من هذه المذاهب فهو مقبول في جرح من يجرحه من الموافقين له وتزكية من يزكيه من المخالفين له وأما ما جاء بما يقتضي تعديل الموافق وجرح المخالف فهذا مما ينبغي التوقف فيه حتى يعرف من طريق غيره أو يشتهر اشتهارا يقبله سامعه