إذ قد انتهى بنا الكلام في بيان الأسباب المانعة من الإنصاف إلى هذه الغاية وتغلغل بنا البحث إلى ذكر ما ذكرناه من تلك الدقائق التي ينبغي لكل عالم ومتعلم أن تكون نصب عينيه في إقدامه وإحجامه وأن تكون ثابتة في تصوره في جميع أحواله وما أحقها بذلك وأولاها بالحرص على ما هنالك فإنها فوائد لا توجد في كتاب وفرائد لا يخلو أكثرها عن قوة كثير من المرشدين المحققين وإن حال بينهم وبين إبرازها إلى الفعل حجاب
فلنتكلم الآن على ما ينبغي لطالب العلم أن يتعلمه من العلوم
[طبقات طلاب العلم]
فأقول إنها لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن وتتباين المقاصد بتفاوت همم الطالبين وأغراض القاصدين فقد ترتفع همة البعض منهم فيقصد البلوغ إلى مرتبة في الطلب لعلم الشرع ومقدما لها يكون عند تحصيلها إماما مرجوعا إليه مستفادا منه مأخوذا بقوله مدرسا مفتيا مصنفا
وقد تقصر همته عن هذه الغاية فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة ونحارير هذه الأمة
وقد يكون نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمرا دون أهل الطبقة الثانية وذلك كما يكون من جماعة يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه من دون قصد منهم إلى الاستقلال بل يعزمون