فكان هذا الصنع منهم يحملني على مجاوبتهم بما لا يعجبني بعد الصحو من سكر الحداثة والقيام من رقدة الشباب لا لكونه غير حق أو ليس بصواب بل لكون فيه من سهام الملام وصوارم الخصام ما لا يناسب هذا المقام
فإذا كان هذا في المشتركين في التدريس والأفتى وهما خارجان عن مناصب الدنيا لأنهما في ديارنا لا يقابلان بشيء من الدنيا لا من سلطان ولا من غيره من نوع الإنسان فما بالك بالرئاسات التي لها مدخل في الدين والدنيا أو التي هي خاصة بالدنيا متمحضة لها فإنه لا شك أن التنافس بين أهلها أهم من الرئاسات الدينية المحضة التي لم تشب بشيء من شوائب الدنيا
فينبغي للمنصف أن لا يغفل عن هذا السبب فإن النفس قد تنقبض عن كلام من كان منافسا في رتبة معارضا في فضيلة وإن كان حقا وقد يحصل مع الناظر فيه زيادة على مجرد الانقباض فيتكلم بلسانه أو يحرر بقلمه ما فيه معارضة للحق ودفع للصواب فيكون مؤثرا لحمية الجاهلية وعصبية الطاغوت على الشريعة المطهرة وكفى بهذا فإنه من الخذلان البين نسأل الله الهداية إلى سبيل الرشاد
[التباس ما هو من الرأي البحت بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد]
ومن أسباب التعصب الحائلة بين من أصيب بها وبين المتمسك بالإنصاف التباس ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد
وكثيرا ما يقع ذلك في أصول الفقه فإنه قد اختلط فيها المعروف بالمنكر والصحيح بالفاسد والجيد بالرديء فربما يتكلم أهل العلم على مسائل من مسائل الرأي ويحررونها ويقررونها وليست منه في شي ولا تعلق لها به بوجه فيأتي الطالب لهذا العلم إلى تلك المسائل فيعتقد أنها منه فيرد