ومما يزيد من أراد هذه الطبقة العلية علوا ويفيده قوة إدراك وصحة فهم وسيلان ذهن الإطلاع على أشعار فحول الشعراء ومجيديهم والمشهورين منهم باستخراج لطائف المعنى ومطربات النكات مع ما تحصل له بذلك من الاقتدار على النظم والتصرف في فنونه فقد يحتاج العالم إلى النظم لجواب ما يرد عليه من الأسئلة المنظومة أو المطارحات الواردة إليه من أهل العلم وربما ينظم في فن من الفنون لغرض من الأغراض الصحيحة فإن من كان بهذه المنزلة الرفيعة من العلم إذا كان لا يقتدر على النظم كان ذلك خدشة في وجه محاسنه ونقصا في كماله
[النظر في بلاغات مبدعي الإنشاء]
وهكذا الاستكثار من النظر في بلاغات أهل الإنشاء المشهورين بالإجادة والإحسان المتصرفين في رسالاتهم وحكاياتهم بأفصح لسان وأبين بيان فإنه ينتفع بذلك إذا احتاج إلى الإنشاء أو جاوب صديقا أو كاتب حبيبا لأنه ينبغي أن يكون كلامه على قدر علمه وهو إذا لم يمارس جيد النظم والنثر كان كلامه ساقطا عن درجة الاعتبار عند أهل البلاغة والعلم شجرة ثمرتها الألفاظ وما أقبح بالعالم المتبحر في كل فن أن يتلاعب به في النظم والنثر من لا يجاريه في علم من علومه ويتضاحك منه من له أدنى إلمام بمستحسن الكلام ورائق النظام